معنى الحكومة الإلكترونية

 

د. صالح الفهدي

عُدتُ مُؤخرًا من سفرٍ إلى السلطنة، وقد توجَّبَ أن أُحمِّل شهادة الفحص الخاص بـ(كوفيد19) في تطبيق (إي مشرف الإلكتروني emushrif) بيدَ أنني وجدتُ التطبيقَ يتَّسمُ بالتعقيد حتى تسلَّم الأمرَ ابني مني- وهو مختصٌّ في هذه الجوانب التقنية- فعَقد ورشةَ عملٍ مصغَّرةٍ مكوَّنةٍ من ثلاثةِ أفراد يتَّبعون خُطاهُ بدقَّة في رفعِ كلِّ شهادة على التطبيق..!

استغربتُ من المعلومات المطلوبة التي يُفترضُ أن تظهر تلقائياً بمجرد إِدخال رقم بطاقة الهوية الشخصية دون الحاجة إلى معلوماتٍ تفصيلية لا داعي لها إطلاقاً! وحينَ وصلتُ السلطنة وجدتُ شاباً يمسحُ بواسطة جهازٍ في يده على (الكود) الخاص بكل مُسافر، وهي طريقة لا تتناسبُ أبداً مع حداثة الإجراءات؛ حيثُ يفترضُ توفير شاشةٍ ثابتةٍ يُعِرضُ كل مسافرٍ عليها (الكود) وتظهر له إشارة المُوافقة أو عدمها، هناك أوضحتُ للشاب أن تطبيقهم معقَّد ويفترضُ تبسيطه للمسافرين لكي يسهل عليهم استخدامه.

تداعى أمامي كثير من الإجراءات الخاصة بالخدمات في الوزارات والوحدات الحكومية والتي تحوَّلت من الورقية إلى الرقمية ولكن لم يتحوَّل معها التبسيط والشفافية والإيجاز بل تعقدت، مما يشي بأنَّ بعض الجهات لم تفعل سوى رقمنة التفاصيل الورقية برمَّتها، وكأنها لم تفعل شيئًا.

في إحدى الجهات التي تعتمدُ الأنظمة الإلكترونية نظاماً لها أردتُ تجديد (بطاقةٍ مُعينة) فأعطتني الموظفة استمارةً لملئها في مكتب سند، خرجتُ تائهًا أبحث عن أقربِ مكتب، فأضعتُ وقتاً وجهداً لذلك، ثم عُدتُ بالاستمارة وبدأت الموظفة في نقل البيانات من الاستمارةِ إلى الشاشة، هنالك سألتها: هل لهذه الاستمارة من فائدة؟ قالت: لا!

هدفُ الحكومة الإلكترونية هو "تقديم الخدمات الحكومية إلى الأفراد وقطاع الأعمال بكفاءة عالية وبشفافية أكبر"، كما هو موضَّحٌ في موقع وزارة النقل والاتصالات ونظم المعلومات، بيدَ أن كثيراً من المعاملات لم تتحرَّر من البيروقراطية المتسمةِ بالتعقيد في قضاء المعاملات، مما يعني أن (الكفاءة العالية والشفافية الكبيرة) غير متحققة فيها، وتستلزمُ فهماً واضحاً لمعنى (الحكومة الإلكترونية) التي تهدف إلى تيسير الإجراءات، وانسيابية المعلومات، واختصار الوقت والجهد في قضاء المعاملات، ولنأخذ مثلاً على ذلك وهو استخراج ملكية السيارة الذي يمكنُ أن يتمَّ في أي مركزٍ تجاري من خلال ماكيناتٍ مخصصَّةٍ لهذا الغرض، ويمكنُ قضاء بقية المصالح على هذا المنوال، والطريقة نفسها.

كان على طالبِ التأشيرة إلى بريطانيا أن يملأ دستة من الأوراق بحذرٍ شديدٍ أو يوكِّل مكاتبَ مختصة بسبب كثرة التفاصيل الدقيقة فيها، فتستغرقُ أياماً وقد لا تعتمدُ لخطأٍ في كلمة! فلمَّا تحوَّل الطلبُ إلى النظام الإلكتروني اختُصِرَ بإيجازٍ شديدٍ، علاوةً على أن المُوافقة تأتي في غضونٍ ساعات.

في دولة خليجية يسهل استخراج السجل التجاري وقد يستغرقُ ذلك بضع دقائق لكن شطب السِّجلِ مُعقدٌ إلى درجةٍ كبيرة؛ إذ تدخلُ فيها ما يقاربُ السبع جهاتٍ لابُد من الوصول إلى طريقةٍ لاختصارِ موافقاتها على الشَّطب.

الحكومة الإلكترونية يفترضُ أن تكون حلَّاً للبيروقراطية وليست عوناً لها..! ومسرِّعاً للتنمية وليست مُعيقاً لها، أي أن توفِّرَ حلولاً بسيطةً وسهلةً لقضاء الخدمات، وإنهاء الإجراءات، وذلك يجب أن يتم بطرقٍ سلسلة ومختصرة، ولنأخذ على سبيل المثال أنظمة البنوك الإلكترونية التي يمكنُ الولوج إليها عن طريق إدخال البصمة، ثم القيام- بأمانٍ تام- بالتحويلات المصرفية، وسداد الفواتير وخدمات أُخرى بكل هدوءٍ وسلاسة.

خُلاصةُ الكلام: أن الحكومة الإلكترونية في مفهومها العام تعنى سلاسة قضاء الخدمات بعيدًا عن التعقيد، واستهلاك الوقت بإدخال بيانات غير مطلوبة، أو أنها من المفترض أن تكون موجودة في النظام، حتى تتيسَّر الإجراءات، وتبسَّط الخدمات في عالم يتَّسمُ بسرعة الإنجاز، وسلاسة تقديم الخدمات، وذلك هو لبُّ رؤية "عُمان 2040" التي تصفُ رقمنة الخدمات الحكومية التي تتطلعُ لها الرؤية بأنها "فعَّالة وذكيَّة".

والطريقُ إلى تسهيل الإجراءات الرقمية لا تحتاج إلى تعقيد، إذ أننا كأفراد لن نبخل على أيَّةِ مؤسسة خدمية بالمساعدة في تقديمِ الأفكار إن طُلبَ منَّا ذلك رغم أننا لسنا فنيين، فإذا كانت الحاجة إلى التعلم من تجارب فهناك دولٌ مجاورة تطوَّرت في تقديم الخدمات الإلكترونية ومن السهل محاكاتها أو الاستفادةِ من تطبيقاتها ونُظمها، أو إن كنَّا نريدُ الاستفادة الدولية فهناك دولة استونيا على سبيل المثال تصدِّر الحلول الرقمية لدول الخليج العربي.

ما أرمي له بالقول هو أنه ما إن تتوفر الإرادة، والرؤية، والتنفيذ الدقيق فلم تُعدم الوسيلة، فالحكومة الإلكترونية ليست مجرَّد شعار وإنما واقعٌ يفرضهُ التقدم التقني، ووتيرة العصر السريعة، وهذا يعني أن الحكومة الإلكترونية يجب أن توحِّد الخدمات في منصَّةٍ شاملةٍ تنبثقُ منها منصَّات جزئية حسب الخدمات، كما تعني سهولة التعامل، ويسر استخدام التقنية، وبساطة الإستخدام، وفاعلية الأداء، وسرعة الإنجاز، أمَّا غير ذلك فهي البيروقراطية عينها في صورة "حكومة إلكترونية"!