خلفان الطوقي
القارئ الجيد للمشهد يجد أنَّه من الواضح أن دول مجلس الخليج العربي تمر بمرحلة جديدة من العلاقات التي تسعى إلى بناء تكتل سياسي واقتصادي حقيقي يكون صداً أقوى من السابق ضد التحديات والمخاطر المحيطة، وخير شاهدٍ على ذلك الجولة العملية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى دول مجلس التعاون الخليجي والتي بدأت في مسقط وانتهت في الكويت، خاصة وأن توقيت الرحلة كان قبل عدة أيام من انعقاد القمة الخليجية "42" التي سوف تعقد في الرياض يوم الثلاثاء المُوافق 14 ديسمبر 2021.
شواهد عديدة تدلل على أنَّ ضرورة وجود بنية تحتية متكاملة خليجية مطلب شعبي لأجل بناء علاقات تتسم بالتنمية المستدامة، ويمكن أن نذكر مثالا ميدانيا واحداً فقط يخص العلاقات البينية بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعوية وهو المعبر الحدودي "الربع الخالي" الذي طال انتظاره، وكما انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بأن هذا المنفذ لم يعد خالياً.
هذا المعبر البري المُباشر يعتبر مشروعا واقعيا وعمليا واستراتيجيا، وله فوائد متنوعة يمكن أن تقسم إلى فوائد فورية وأهمها: تسهيل تسيير قوافل الحجاج والمعتمرين برًا من السلطنة إلى الأماكن الدينية المقدسة في السعودية دون مرورهم بأي نقاط حدودية لدول أخرى، وبالتالي سوف يقلل على ضيوف الرحمن الإرهاق والوقت والكلفة المالية ومصاريف التأمين وغيرها.
أما عن الفوائد متوسطة المدى فستكون في ارتفاع نسبة التبادل التجاري بين السلطنة والمملكة، والتي تعتبر في الأساس فترة نمو، ففي عام 2020 ارتفعت نسبة التبادل التجاري وتجاوزت 7% برأسمال وصل إلى مليار ريال عُماني أثناء فترة كورونا (كوفيد-19)، لذلك فمن الطبيعي أن تنمو هذه النسبة فيما بعد الجائحة، وفيما بعد افتتاح منفذ بري مباشر بعيدا عن أي حدود برية عديدة، وبعيدا عن النقل البحري الذي أصبح مكلفا جدا. أضف إلى ذلك، تنقلات السياح المواطنين والمقيمين بين البلدين، خاصة وأنَّ البلدين لديهما نقاط سياحية جاذبة، وخطط تنفيذية طموحة، ومناسبات عالمية كسباق "فورمولا 1"، وسياحة موسمية تحاول استقطاب الجمهور من جميع أنحاء العالم، وخاصة الجمهور الخليجي الذي يملك قواسم مشتركة عديدة.
الحركة المجتمعية والتجارية بين البلدين من خلال هذا المنفذ ستعود نتائجها على كافة المناطق التي يمر من خلالها الشارع المؤدي من وإلى هذه المنافذ، والتي بعد حين سوف تولد فرص الشراكة فيما بين القطاع الخاص والقطاعات المدنية والتوظيف وغيرها من المبادرات المفيدة لكل الأطراف كحكومات ومؤسسات تجارية أو قطاعات مدنية ومجتمعية.
بالرغم من النتائج الفورية والمتوسطة المدى، إلا أن أمنيات الشعبين تبقى أعلى من ذلك بكثير، وإن كانت أمنيات اليوم، فربما ستصبح واقعاً يوماً ما، وهذه الأمنيات إن تحققت سوف تنقل العلاقات الاقتصادية البينية بين السلطنة والمملكة إلى مستويات أعلى بكثير، وستظهر الأهمية الاستراتيجية لهذا المعبر جلية عند إنشاء أنبوب بري مباشر من بعض الحقول النفطية بمحاذاة الشارع البري المؤدي إلى منفذ الربع الخالي، ومن ثم إلى منطقة الظاهرة، وصولاً إلى منطقة الدقم المفتوحة مع المحيطات الآمنة كبحر العرب والمحيط الهندي بعيدا عن المنطقة الحساسة لمضيق هرمز، ويمكن تخزين النفط في رأس مركز، ومن ثم إعادة تصديره إلى الأسواق الضخمة لموردي النفط في آسيا وأفريقيا.
ومن الأماني العملية والمحورية التي سوف تنقله نوعيا وتخدم المنفذ البري المباشر هو سرعة البدء في إنشاء منطقة صناعية حرة تكون قريبة من هذا المنفذ وباستثمارات من الصناديق السيادية أو من خلال الشركات التابعة لها كمرحلة أولى، يتبعها القطاع الخاص العماني والسعودي بعد تجهيزها من الحكومتين ببنية تحتية عصرية متكاملة.
العلاقات العمانية السعودية ليست فقط 9 مذكرات تفاهم بين مجلس التنسيق الوزاري للبلدين، وليست 13 مذكرة تفاهم تجارية التي وقعت قبل أيام بين القطاع الخاص العماني والسعودي، وليست 105 علامات تجارية عُمانية مسجلة في المملكة، وليست مبلغ 318 مليار ريال سعودي رأس مال مصدر للشركات العمانية في المملكة؛ بل أكثر من ذلك بكثير، وما المنفذ البري المباشر إلا بداية وباكورة ميدانية تفيد البلدين والشعبين إستراتيجيا واقتصاديا وسياحيا وتجاريا وأمنيا وثقافيا ومجتمعيا وتنمويا، ليعقبه ما هو أعظم.