موظف ثقيل الدم

 

إبراهيم بن سالم الهادي

يقول كنتُ أمر على دائرة المُراجعين وأجد طوابير الناس الذين يراجعون مُعاملاتهم بشكل يومي، ومعظمهم يترددون على الدائرة أكثر من مرة، وكانت أعدادهم  يوميًا كثيرة، وكنت حينها في قسم آخر وصادف أن خرج موظفان اثنان من موظفي الكاونتر إجازة، ونقلت لتلك الدائرة أنوب عنهما، وبعد يومين اختفت تلك الطوابير!

وأنا أتأمل في خلو القاعة في ذلك الأسبوع همس لي مُراجع من على فتحة زجاج الكاونتر شاكرًا تخليص مُعاملته في وقت وجيز، وقال أنت رجل مخلص ووطني وأصيل، وإحساسك عالٍ بالآخرين وضميرك حي، قلت له لم كل هذه الكلمات الجميلة يا عزيزي فأنا هنا لخدمتك وغيرك من النَّاس وأتقاضى راتبًا عن هذا العمل، فهذا واجب طبيعي لا يحتاج أي شكر أو امتنان. فقال ألم تلحظ أن أعداد النَّاس اختفت عندما جئت أنت في هذا الكاونتر؟ ألا يجعلك هذا تستنتج مكامن المشكلة؟ فصمت قليلاً ثم قلت له كل يعمل بضميره بما يرضي الله، هذه قصة ذكرها لي أحدهم واسترجعت ذكراها، حينما صادف في يوم من الأيام أن مررت على أكثر من مؤسسة حكومية معنية بتسهيل الخدمات منها التجارية ومنها الخدمات العامة الأخرى. شدتني المشاهد وأنا أتأمل في طوابير المراجعين وهم ينتظرون دورهم لدى موظف ثقيل الدم لا يستجيب للمراجع إلا بعد مناداته أربع أو خمس مرات، ويرد- بعد إلحاح- بكبرياء دون أن يرفع رأسه، وكأنه يستلذ ذل النَّاس! أو أنه يتوهم أنَّ المعاملات لا تمشي إلا من خلاله، مثل هذه المواقف وغيرها يجب أن تدون وتدرس تأثيراتها على التنمية الشاملة ومدى تأثيرها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فالموظف ذو الإحساس المتدني ذاك قد لا يُدرك الإرهاق النفسي والبدني الذي يتعرض له المراجع أثناء مراجعته للمؤسسة، فتكفيه البيروقراطية التي تواجهه في المعاملات كما أنه- أي الموظف- قد يكون غير مُدرك لما يسببه من تأخير في مُعاملات النَّاس وجعلهم يترددون إليه  بسبب تعاليه أو إهماله وقد يكون آثماً أمام الله سبحانه وتعالى، وقد تدور به الأيام ليستجدي توقيع موظف لأصغر مُعاملة.

الموظف ثقيل الدم ذاك لا يعفى مديره من المسؤولية فقد وضع المدير ليضع الجودة وسرعة الأداء في المقام الأول، ولو كان المدير من القيادات الذكية المخلصة لترجم ذلك الموظفون الذين يعملون في دائرته التي خصصت لخدمة الناس وتخليص معاملاتهم بكل مرونة ويسر، وقد يمتد هذا التقصير إلى المسؤول الأكبر منه؛ سواء مديرا عاما أو وكيلا أو وزيرا، فإذا مرَّ المراجع بين أروقة المؤسسة أياً كان مُسماها وزارة أو هيئة أو شركة حكومية، فيجد بعض الأقسام يعلو فيها الهرج والمرج وتدور بينهم فناجين القهوة وكأنهم في نزهة خاصة! لا إحساس بالمسؤولية ولا احترام للمكان، ولا ضمير يؤنبهم عن تحليل راتب لقمة العيش، فلو أدرك المسؤولون الكبار وتبرعوا بالقيام من على كراسيهم العاجية ومروا على الأقسام ليجدوا العاطل والباطل والمخلص والصادق لاستطاعوا وضع وتوزيع الموظفين في الأماكن الصحيحة، وركزوا على دوائر المراجعة التي تمثل المؤسسة وتعد نوافذ دخل لها، لا أن تكتفي بخمسة كاونترات يعمل بها النصف والنصف الآخر في إجازات مختلفة.