رسالة عاجلة إلى "القمة العربية" بالجزائر

 

إبراهيم بن سالم الهادي

أسردُ هنا تفاصيل الإنسان السوري قبل أن أعرّج على الجمهورية السورية كدولة عربية عظيمة تناهشتها الوحوش وسَلَّطت عليها الكلاب الضالة المرتزقةَ تقتلُ الناس وتُشرّد الأطفال دون خجل من عبثٍ بواحدة من أقدم الحضارات في العالم، امتدت لآلاف السنين قبل الميلاد.

الإنسان السوري يقف بهيبته وكرامته رغم قلة حيلته، ولا يعرف للركوع أو الخضوع قِبلة؛ بل إن قبلته الأمل الذي يعيشه حتى لو تجاوز عشرات السنين، يقف الإنسان السوري شامخًا رغم الهموم باحثًا عن شراع يتشبث به، دون أن يقدم أي تنازل عن عزته وكبريائه. ساقتني الأقدار أن زرتُ بعض المحافظات السورية في العام 2019، لأجد دمارًا وحشيًا استهدف خيرات سورية من مشرقها إلى مغربها، زرتُ دمشق وحمص وتدمُر بآثارها التي لم تسلم من النهب والتدمير. وعاودتُ الزيارة قبل أيام قليلة، لأجد الإنسان السوري بذات الشموخ؛ بل وبعزة أضحت مضاعفة، وبقدر ما وجدت أيادي آثمة عبثت بتلك البلاد وجدت آثار القوة لدى الشعب السوري، فقد لامسته إنسانا صامدا لا يلتفت إلى مخلفات الحصار والحرب، يسير للأمام مرفوع الرأس وقد شمّر عن سواعده ليحقق اكتفاءً ذاتيًا من الصناعات بمختلف أنواعها، وجدت جمال الحياة يعصف بقسوة العيش، وجدته مكابرًا رغم الاقتصاد الذي هوى بسبب الحصار وطال الطاقة التي يواجه الشعب السوري بسببها تحديات كبيرة؛ فالكهرباء باتت تتقطع بشكل مستمر وهم على مشارف الشتاء، وهو ما يستدعي تدخلا سريعا من الدول العربية للوقوف مع دولة كانت سندا للوطن العربي وظهرًا يحتمي به.

سورية اغتيلت سياسيًا لمصالح دول ومآرب أخرى، جعلتها تحت الحصار والحرب لأكثر من 10 سنوات دون أن تقدم الدول العربية أي حلول ودون إحساس بشقيقة كانت يومًا ما تتشارك اللُقمة مع شقيقاتها الدول على بساطٍ واحدٍ، إنها فضيحة سياسية شهدتها الدول العربية وهي تضحي بجزء منها دون أن تتفوه بكلمة واحدة. أليس عيبًا أن تضحي الدول العربية بأكثر من عشرين مليون إنسان يدب في بقعة عربية تعد جزءًا لا يتجزأ من الوطن العربي؟ أليست هذه فضيحة سياسة عندما نترك دولة كبيرة مثل سورية وحيدة تصارع الوحوش التي تنهش أراضيها ونفطها وصناعاتها وإنسانها وخيراتها. هذا ليس سوى اغتيال سياسي لدولة كان حراكها مؤثرا وإيجابيا على الوطن العربي، الأمر الذي يدعو إلى مراجعة السياسات بشكل أدق، أما آن للدول العربية أن تجتمع لتتخذ قرارًا سياسيًا شجاعًا يُرجع دولة أساسية استراتيجية من دولها إلى ملحمة العروبة وإلى شراكةٍ ينمو من خلالها الاقتصاد وتستقر السياسة، فعودة سورية إلى خريطة التعاون العربي ستساهم بشكل كبير في حل الأزمة السورية وتخفيف وطأة النفوذ الخارجي المتصاعد، وستحقق توازنات إقليمية ودولية في المنطقة، وهذا أيضا سيعزز التعاون في مكافحة الإرهاب من خلال مساعدة سورية في حل مشكلة المقاتلين الأجانب الذي ينهبون نفطها وصناعاتها وثرواتها وتطهير الأرض السورية منهم. كما إن عودة سورية القوية ستكون بوابة صد أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال يمارس أبشع الإجرام في حق الشعب الفلسطيني، وستسهم في التعاون على حل مشكلة اللاجئين السوريين باعتبارها قضية إنسانية ملحة من خلال مؤتمر عربي للمانحين لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب والحصار.

الصورة واضحة أمام العرب ويبقى أن ينتبهوا إلى أن جزءًا من الوطن العربي- سورية- حامت حولها الضباع، وأن الوضع يتطلب نبذ كل الخلافات وأن العالم يسير نحو التغيير، وأن الحفاظ على الوحدة والاتحاد هو المنقذ من مغبة الضياع بين الوحوش الكبيرة.

هذه تطلعات نتمنى أن تُناقش باستفاضة في القمة العربية التي تنعقد بعد أيام قليلة في الجزائر، فلعلها تتحقق.. وأجزم أنه لو حُلّت قضية سورية، سيساهم ذلك بشكل كبير ومباشر في حل قضايا أخرى كالعراق وليبيا، وكل الدول التي تضررت من الحروب في المنطقة وانهكت واضعفت، حتى تناهشت الضباع خيراتها إلى اليوم.