"أوميكرون" يضرب أسواق النفط العالمية

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي

 

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

 

بدأت تداعيات النسخة الخامسة من كورونا "كوفيد-19" تضرب من جديد العالم، من الشرق إلى الغرب، في أعقاب التعافي الجزئي الهش الذي شهدته الأسواق العالمية خلال الشهور الماضية؛ خاصة أسواق المال وبورصات النفط العالمية التي جاءتها هذه المرة الأخبار غير السارة من القارة السمراء؛ بل كانت بالفعل مُدمّرة وكارثية على أسعار النفط على وجه الخصوص، فقد خسرت 10 دولارات للبرميل خلال يوم واحد؛ فهبط مزيج "برنت" من 85 إلى 75 دولارا للبرميل الواحد، وذلك بسبب الخوف والهلع من المتحور الجديد الذي ظهر في جنوب أفريقيا والدول المجاروة لها خلال الأسابيع الماضية وبالتحديد 9 من نوفمبر الجاري.

وعلى الرغم من أنَّه لم تسجل أي وفاة من الفيروس الجديد حتى الآن، كما إن أعراض المصابين متوسطة، إلا أنَّ الدول الصناعية الكبرى التي تستورد النفط اعتبرت ذلك فرصة لتخفيض الأسعار، بعد أن فشلت الحملة التي قادتها الولايات المتحدة والصين والهند وكوريا الجنوبية في ضخ احتياطاتها التي تحتفظ بها للطوارئ فقط في الأسواق؛ حيث تقدر المخزونات مجتمعة بعشرات الملايين من البراميل في الأسواق من أجل الضغط على الدول المصدرة للنفط وتحديدًا مجموعة "أوبك بلس" لتخفيض الأسعار وخلق فائض كبير في البورصات.. لكن لم تنجح هذه الخطوة التي بدأت قبل أسبوع ولم تحقق نتيجة تذكر؛ حيث شهدت الأسواق ارتفاعًا ملحوظًا.

لقد ساد الأوساط العلمية تخوف وقلق واسع من النسخة الجديدة التي أخذت الترتيب الخامس، وذلك لكون أنّ مفتاح البروتين الشوكي الخاص بالفيروس الجديد قد اختبر عددًا كبيرًا من الطفرات، تقدر بحوالي خمسين، وهو البنية التي يستخدمها الفيروس للدخول إلى الخلية التي يهاجمها بما في ذلك 30 طرفة مرتبطة بما يعروف علمياً بالبروتين الشائك وهي البنية التي يستخدمها الفيروس لربط الخلايا البشرية والهدف الرئيسي لمعظم اللقاحات المُستخدمة حاليًا ضد المرض. فهناك اعتقاد لدى بعض الخبراء بأنَّ المتحور الجديد يمكنه الانتشار بسرعة حتى بين المُطعّمين الذين أخذوا جرعتين.

وبالفعل اسبشرت الشركات المنتجة للقاحات في الشرق والغرب برصد المتحور الجديد؛ إذ قالت شركة "موديرنا" الأمريكية إنها ستقدم على جناح السرعة لإنتاج لقاح معزز يسهدف "أوميكرون"، بينما حددت شركة "بيونتك" الفترة الزمنية لتحديث لقاحها بأكثر من 3 أشهر.

يبدو لي أنَّ منظمة الصحة العالمية وكذلك معظم العلماء الذين تم استضافتهم للحديث عن "أوميكرون" لا يعرفون إلا القليل عن هذا الفيروس ومدى استجابته للقاحات المتوفرة حاليًا في الأسواق؛ فمنظمة الصحة العالمية التي يتولى رئاستها الدكتور تيدروس أدهانوم الذي ينتمي لدول العالم النامي وبالتحديد إثيوبيا؛ لم تنجح في توفير الحد الأدنى من اللقاحات للدول الفقيرة؛ إذ لا يتجاوز عدد المستفيدين من الطعوم في أفريقيا 10 بالمائة من إجمالي سكان هذه القارة، بينما يصل الرقم إلى 36 بالمائة في جمهورية جنوب أفريقيا، الدولة التي سُجلت فيها أول حالة إيجابية في العالم بهذا المتحور الجديد. فالدول الغنية التي تملك المصانع التي تنتج اللقاحات تحتكرها لنفسها أولاً، ثم للدول التي تدفع أكثر من غيرها.

وأسعار اللقاحات في الأسواق العالمية أصبحت مكلفة دون أن يكون هناك دعم من المجتمع الدولي خاصة للدول الأفريقية، التي عجزت عن شراء تلك اللقاحات، فهناك الآن أكثر من 7 لقاحات معروضة في الأسواق العالمية 3 منها أمريكية خالصة وهي "موديرنا، جونسون آند جونسون، نوفافاكس"، بينما لقاح "فايزر- بيوتينك" فهو إنتاج مشترك بين ألمانيا وأمريكا. أما لقاح "أسترازينيكا" فهو إنتاج بريطانيا، وسينوفاك صيني، واللقاح الأخير روسي يعرف باسم "سبوتينك"، وأرخص هذه اللقاحات هو لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" بتكلفة تبلغ 4 دولارات للجرعة الواحدة فقط، ويمكن حفظه في الثلاجة العادية من 4 -8 درجات مئوية، بينما يبلغ سعر أغلى هذه اللقاحات "موديرنا" 33 دولارًا للجرعة الواحدة، وتبلغ قيمة لقاح "فايزر- بيوتينك" 20 دولارًا للجرعة الواحدة.

إن دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشركات العالمية التي تصنع اللقاحات بالتنازل عن حقوق الملكية الفكرية لهذه الطعوم لكي يتم صناعتها محليًا في الدول المحتاجة لها، جاء متأخرا جدًا، وربما بايدن غير جاد في هذه الدعوة؛ حيث كان أجدر برئيس أكبر دولة في العالم- وتضم 4 شركات كبرى تنتج اللقاحات المضادة لكورنا- أن ينزع الملكية الفكرية عنها منذ توليه الرئاسة قبل عام، وذلك كحسن نية وتشجيعًا للآخرين على ذلك. لقد استثمرت كل من الصين وبعدها أمريكا وروسيا هذه الجائحة المدمرة للإنسانية لتحقيق أهداف اقتصادية وجنى أرباح من اللقاحات وكذلك اللوازم الأخرى التي استخدمت في مختلف دول العالم وأجهزة التنفس الصناعي والكمامات والأدوية واللوازم الطبية بشكل عام.

أما عن علاج "كوفيد-19"؛ فقد تمكنت بريطانيا خلال الأيام الماضية من تطوير دواء جديد باسم "مولنوبيرافير" مضاد للفيروسات؛ إذ صُمم العقار لادخال أخطاء في الشفرة الجينية للفيروس، ما يمنعه من الانتشار في الجسم، لكونه يعمل عن طريق إنزيم يستخدمه كوفيد-19 لإنتاج نسخ جديدة منه. وبدأت شركة "فايزر" الأمريكية في إجراء تجارب في مراحلها الأخيرة على قرصين مختلفين من مضادات الفيروسات.

وفي الختام.. لا شك أن القرار الاستباقي للجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، يهدف إلى السيطرة على تفشي السلالة الجديدة من فيروس كورونا، وتجنبها، حيث إن منع القادمين من 7 دول أفريقية من دخول السلطنة، قرار حكيم وفي وقته. لكن يجب التذكير بأن المتحور الأفريقي "أوميكرون" الجديد قد انتشر في جميع قارات العالم من هونج كونج شرقًا إلى أمريكا غربًا، مرورًا بالقارة الأوروبية التي سُجل فيها مخبريًا هذا الفيروس الجديد في كل من ألمانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا.

عليه.. من الواجب إضافة هذه الدول جميعًا إلى قائمة البلدان المحظور دخول القادمين منها إلى السلطنة؛ فالوقاية خير من العلاج، حتى لا تتكرر مأساة المتحور "دلتا" مرة أخرى في بلدنا.