أخيرًا.. مشروع الحافة!

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

مشروع تطوير الحافة، المشروع المعجزة في القرن الحادي والعشرين، مشروع تجاوز عمره الآن منذ صدور مرسوم نزع الملكية 15 عامًا، كادت مباني الحافة التراثية القديمة خلالها أن تندثر بالتدريج ككيان، رغم أنها ما زالت تعيش كوجدان في قلوب الآلاف من أبنائها الذين عاشوها، وقد كان للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- رؤية سديدة، وهي بجوار قصره العامر من الشرق، وأطلال حصن البليد التاريخي من الغرب، بأن تكون منطقة وسطى "داون تاون" صلالة عاصمة محافظة ظفار، ومزيجًا من الأصالة والمعاصرة في أجمل معانيها وأبهى حللها.

هذا المشروع لم يدشن من بداياته على أرض الواقع كأي مشروع آخر في الدنيا، بل دشن في ملف يحوي أوراقًا وعلى المستوى الإعلامي فقط، تصورات واقتراحات وتصميمات تنشر أو يتسرب نشرها ثم تتلاشى وتنتهي!!

كاد هذا الملف بعد كل هذا التسويف أن تبلى وتهترئ أوراقه ويختفي كمشروع يفترض أن يأخذ ولو أولى طرقه في التنفيذ تحت وطأة طائلة الزمن بتعاقب عدة أعاصير على محافظة ظفار والتي أخذت من مباني الحافة التراثية الضاربة في التاريخ كل مأخذ، بعد أن هجر منها الإنسان الذي كان يحافظ عليها على مدى مئات السنين بعد نزع ملكيتها.

لأول مرة نسمع ونرى مشروعًا يدشن على الورق فقط، وواقع حال أرض هذا المشروع لم توضع عليها خلال هذه المدة الطويلة طابوقة حجر أساس واحدة، وظل هذا الملف يواصل دوراته بعدم اكتراث ولا مبالاة بين وزارة ولجنة حكومية ومباني الحافة التراثية تنهار تدريجيًا أمام سمع وبصر الجميع وتئن وتبكي حالها وجور الإنسان عليها، كما بكت من قبلها ربيبتها البليد، ولسان حالها يقول متى سيبكون وهم يحملون النعش كما بكوا من قبل على البليد (حصن البليد قد تهدم وبكى عليه من بناه).

أخيرا وليس آخرا، كما يبدو مما سبق، ونظرًا لما فات وما قد تعودنا عليه من تاريخ هذا المشروع "معجزة العصر"، ومن منطلق عفا الله عما سلف و"سأصبر حتى يمل الصبر من صبري"، أخيرا تنفس الجميع الصعداء بعد طول كتم للأنفاس حتى الاختناق، وذلك بعد أن أوكل أمر التطوير إلى شركة أساس قبل نحو أربع سنوات، وقلنا إن المشروع بدأ في أخذ مساره الصحيح، لكنها فرحة لم تكتمل، فبإعلان "أساس" قبل أيام بدء الأعمال التنفيذية لتطوير الواجهة البحرية والسوق التراثي من المشروع ولسان حال الجميع أصبح يردد مباشرة المثل القديم "ليتك يا أبو زيد ما غزيت وتركت المغازي لأهلها"، فقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الأخيرين بما شاهدوه من مخططات السوق الثراثي الذي ظهر على شكل كتلة دهاليز بدائية اختزلت التراث في معنى الكآبة وقطعت رقبة المعاصرة تمامًا!

سوق الحافة التراثي القديم وأيقونتها ومقصد أبناء المحافظة وزواها رغم قدمه وبساطته، ما زال يُؤدي دوره رغم ما يراه مما حلَّ بحاضنته التاريخية الحافة في صمت.

نرجوكم كل الرجاء التريث إذا كان هذا كل ما لديكم من تصميمات لهذا السوق، ما زال السوق الحالي يؤدي دوره ولا داعي للاستعجال لصرف هذه المبالغ في مثل هذا السوق، ولا داعي لغبن شاطئ الحافة كما غبن سابقًا ودعوه على طبيعته الحالية فهي أجدى وأشرف له.. سوقنا الحالي يكفينا فلا تغيروا بنا أكثر مما حصل ولا نحتاج لذر الرمال في الوجوه لإقناعنا بالبدء عمليا وفعليا في هذا المشروع، ولا تضعوا العربة قبل الحصان، فمن أراد بالحافة التراثية خيرًا فليطور هذه المنطقة التراثية أولا لينقذ ما يمكن إنقاذه مما حصل لها من تأثيرات الزمن عليها، وبعد ذلك أي مشروع لواجهة بحرية أو سوق تراثي أو غيره ستلهمكم الحافة المرممة نفسها وببساطة ويسر ما ينبغى أن تكون عليه واجهتها البحرية، ويكون عليه تصور سوقها التراثي، واجعلوها تزدان أولاً شامخة شموخًا يليق بتاريخها وموقعها الوسط بين قصر الحصن وأطلال حصن البليد ووفاءً لروح الراحل الطاهرة الذي أراد لها ذلك، وسنشكركم بعد ذلك من الأعماق.

وفق الله الجميع لما فيه خير والصلاح ولما فيه خيرنا وبلدنا وإرثنا وحاضرنا ومستقبلنا... اللهم إني بلغت اللهم فأشهد.