نحو صناعة محتوى يحمي أطفالنا!

 

مدرين المكتومية

في ظل الانفتاح الإعلامي والثقافي الهائل مع ثورة الاتصالات- والإنترنت تحديدًا- أصبح الكثير من الأطفال والأسر تعاني من هذا الانفتاح بلا حدود، وبلا حتى حد أدنى من الرقابة لقيم قد لا تتناسب مع قيم مجتمعنا، وتربية النشء.. من هنا ومن أجل مواجهة هذه الرياح العاتية القادمة من الفضاء الإسفيري، وجب أن يكون هناك محتوى وطني يحفظ للطفل العماني قيمه وحقه في الدفاع عن هويته التي تتشكل تدريجيًا، وذلك عبر الإلمام بالتاريخ والجغرافيا العمانية والقيم الأصيلة التي نشأنا عليها، بحيث لا يكون لدينا جيل منفصل عن هويته وبلا شكل وبلا معنى وبلا مضمون.

ثمة أدوار كبيرة ملقاة على عاتق قطاع الإعلام قبل أي قطاع آخر، خاصة الإعلام المرئي الحكومي قبل الخاص، وذلك من خلال تأسيس "قناة أطفال" تحمل في طياتها محتوى يخدم أبناء عُمان بما يتناسب مع هذا الانفتاح، وأن تكون قادرة على استيعاب ولفت نظر الأطفال إليها، بحيث تكون رسالتها ذات قيمة وذات جودة، وفي الوقت نفسه مشوقة ومرتبطة بالمفاهيم الوطنية والتاريخية والجغرافية لهذا الوطن.

صحيح أننا نشاهد الكثير من القنوات الخاصة بالأطفال عبر الأقمار الاصطناعية والإنترنت، لكن كل تلك القنوات استطاعت أن تجذب إليها أبناءنا وتلفت أنظارهم لمحتواها الذي تنتجه، فتجد طفلًا على سبيل المثال أكثر إدراكًا ووعيًا بما يدور في الخارج أكثر من الداخل، متمسكاً بمصطلحات ولغات لا تمت لنا كمجتمع ولا حتى للعربية بصلة، فقد الكثير من الأطفال قيمة اللغة وأيضا المجتمع، صار لديهم هوس كبير بالمحتوى الأجنبي حتى ولربما العربي الذي لا يُمثلنا كمجتمع عُماني محافظ.

هذه القضية نطرحها لسبب رئيسي، هو أن هذا الطفل سيكون ذات يوم هو من يُدير مؤسسة بعينها، وهو من يتحدث باسم عُمان في العديد من المحافل، ومن المعيب أن يُطرح عليه سؤال حول أصل وتاريخ بلده ولا توجد لديه إجابة على ذلك السؤال. من الصعب أن يجد الطفل العماني نفسه أمام خيارات تخص تاريخ الوطن ومكتسباته ولا يعرف عنها شيئاً، ومن المحزن أن يشارك طفل عماني في برامج مسابقات تخص بلداً بعينه ويسأل عن تاريخ تلك البلد فيجيب بكل بساطة وسهولة دون تعمق في الإجابة.

لقد سعت الحكومة لتقديم الكثير من الدعم الخاص بالطفل، مثل إنشاء مكتبة الأطفال العامة، والمحاضن الأخرى الخاصة، ولكن الأساس يبدأ من الإعلام، فالإعلام هو السلطة الرابعة والصوت الأقوى في المجتمع، هو من يمكنه أن يحارب أي حرب غزو قد تتعرض له أي دولة. ونحن الآن بحاجة لمناعة ثقافية حقيقية لهؤلاء الأطفال، لأنه من المحزن أن تجلس بجانب طفل وتبدأ بالحديث معه، وتجده إما يتحدث العربية الفصحى بطلاقة ولكن بمفردات لا ترتبط بمجتمعه، وإما تجده قد ضاع وسط اللغة الإنجليزية، في حين أنه لا يعرف أي شيء عن تاريخ وجغرافية بلده، وهو ما يمكن لأي ولي أمر أن يلاحظه، أمام أبنائه الطلاب، سيجد أنهم يستصعبون التاريخ والجغرافيا وكأنها مواد دخيلة وليست مواد أساسية.

لذلك أعتقد أنه آن الأوان لإنشاء قناة أطفال تتبناها وزارة الإعلام بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم، للإسهام في صناعة المحتوى الخاص بها؛ لتسهيل العملية المعرفية للطلاب، كما لا تقتصر فقط على الجانب التعليمي، ويجب أن تحمل في طياتها الأغنية التراثية العمانية الخاصة بالأطفال، صناعة محتوى غنائي خاص بالطفل، وصناعة محتوى تعليمي وتثقيفي ودراما وأيضا برامج ترفيه ومسابقات عبر هذه القناة.

إنَّ مثل هذه القناة المنشودة يجب أن تلبي التطلعات وتواكب المتغيرات، وتكون بمثابة الثوب الذي يود الطفل ارتداءه في الأعياد، فهل سترى هذه القناة النور قريبًا، حتى لا نبكي يومًا على الحليب المسكوب!!