د. عبدالله باحجاج
شبيب بن علي غواص الكثيري، من الشباب العُمانيين النموذجيين، من حيث واقعيته في حياته وتفكيره، اقتربت منه كثيرًا، فوجدت النموذجية في شخصيته، هو ابن الـ20 عامًا، فلم يكن مفرطا في المثالية، أو غارقًا في الاتكالية على أبيه، وقد برزت واقعيته عندما فاتح أبيه عام 2014 أنه ينوي فتح مشروع تجاري صغير، يؤمن من خلاله مصروفاته اليومية، ويشغل به وقته، رغم أنه منتظم في الدراسة، وهذه أكبر علامات الواقعية، ونضوجها في الوقت ذاته، ولو بحثنا عنها، فسنجدها عامة في معظم شيابنا، لكن تظل القضية هنا، كيفية إدارتها؟
لم يكن هناك سبب حياتي ضاغط يدعو هذا الشاب إلى التفكير في الاستقلالية المالية، فالشاب يتلقى مصروفه من أبيه بانتظام، ويعيش في وضعية اجتماعية ممتازة، فما الدافع الحسي وغير الحسي الذي كان يقف وراء نهجه في هذا السن؟ إنه النجاح المستقبلي الذي يُحرك فكر هذا الشاب دون أن يدري، وهو- أي النجاح- بمثابة نور يخترق الآفاق غير الحسية، لا يدرك ولا يحس به الإنسان المستهدف، وإنما يخترق مكنونته، ويهديه إلى المبتغى، ويدفع به دفعًا، ويسخر له كل شيء من حوله، ولو بحثنا في قصص كل العظماء والناجحين في الحياة، سنجد مثل هذا النور وراء إنجازاتهم.
للأسف هناك الكثير من الشباب حائرون ومشتتون بين رغبات جامحة في دواخلهم، ولا يجدون المشجع لهم؛ بل يقف أولياء أمورهم ضدها، ويصل بي التشبيه إلى اغتيال هذا النور عند الشباب في مهده؛ لأنهم اعتادوا على النمطية، ويورثونها لأبنائهم، ولو لم يجد هذا الشاب أبًا فاهمًا ومتفهمًا، لما تحدثنا في مقال اليوم عن نموذجية هذا الشاب وتقديمها كقصة نجاح موعودة، بهدف النفاذ لذهنيات الشباب، وتغيير بعض المفاهيم القديمة، خاصة عند بعض المسؤولين، وتطوير أدائهم التقليدي، وانفتاحه على مثل هذه القصص الواقعية التي بدأت الآن تخترق كل ما هو غير متعارف عليه، وتبديد من يلوح الآن، بمفهوم الشباب المتعالي عن المهن، فكل من يلوح به، فهو المتهم بالتعالي على هذه المتغيرات، وقصوره في استيعابيها.
التهمة الأخيرة، نطلقها من خلال تجربة الشاب شبيب، فبعد أن استوعب أبوه رغبته سالفة الذكر، اشترى له والده مكائن للذرة وإنضاج البطاط الحلوة "الفندال" افتتح هذا الشاب مؤسسة صغيرة مقرها في صلالة الجديدة بالقرب من مسجد الغافري، باسم "مؤسسة أبهى المواسم" بشعار (Logo) جذاب "لذيذة" ليكون لوجو احترافي، يعكس فكر هذا الشاب وطموحه المستقبلي، وكلما يريد أن ينتقل بعربته إلى الأمكنة التي يقبل الناس عليها يومياً أو أسبوعياً، كشاطئ الدهاريز مثلا، كان ينظر لنشاطه كتجارة مستترة أو وراءها وافدين.. إلخ.
وأحيانا، كان يصطدم بعقلية "الممنوع حتى صدور النظام الجديد" عانى كثيرًا من عقلية التعميم وانتظار القانون الجديد، وكان من خلالها، يتم سحب عربته واحتجاز معداته الميدانية، ولن تحرر إلا بتدخلات وتعهدت، ورغم ذلك، لا يزال صامدًا في مشروعه، ومبدعًا فيه، فقد حل قضية فصلية الذرة التي تستغرق ثلاثة أشهر فقط، بفكرة مبتكرة تجعل من الذرة عنده متوفرة لطوال العام، عوضا عن ثلاثة أشهر فقط، ورغم ذلك، يسعى الآن إلى عدم جعل مشروعه مرتبطاً بإنتاج غيره الذي يعرف المد والجزر داخليا وخارجيا، غير الأسعار المرتفعة، فاهتدى إلى زراعة الذرة في النجد الظفاري؛ حيث تمكن من زراعة 14 فدانا في منطقة شصر، كتجربة أولى يقارن من خلاله مصلحته بين الاستيراد والإنتاج.
لكنه يصطدم الآن بحروب الدود، وهي حروب اسم على مسمى، ومكلفة ماليًا، وفوق طاقته؛ حيث يستخدم عدة مبيدات وليس مبيدًا واحدًا، ويحدثني الشاب عن هذه القضية؛ حيث يبدي استغرابه من نوعية هذا الدود الذي يتكيف مع كل مُبيد وبسرعة، لذلك هو يستخدم أكثر من 3 مبيدات، وقد قطع أشواطا خالية في حروبه، بمساعدة والده الذي منذ فترة وهو في الصحراء داعم لولده في هذه الحروب، وقد وجدته هناك أثناء زيارتي للمنطقة يوم الخميس الماضي.
وحتى نقترب من حجم التكلفة المالية لهذه الحروب القائمة حتى الآن، أشير إلى أن المبيد فوق الحجم الصغير يبلغ 37 ريالا عمانيا، فمن أين؟ وكيف يوفر هذا الشاب هذه الثروة في حروبه الصحراوية؟ كان هذان التساؤلان أول ما تبادر إلى ذهني في الميدان؟ ولم أطرحهما بصوت مرتفع لعلمي بالخلفيات، وفورًا تساءلت أين الدعم المقدم من المديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في محافظة ظفار؟ ربما هذه الجهة تنتظر إلى أن تتحول مثل هذه الآفات إلى أزمة، عندها ستشن الحملات، وتخصص الموارد، لذلك، ندعو إلى تطوير وتفعيل دائرة التنمية الزراعية في ولاية ثمريت، وإقامة أكثر من مركز زراعي في قلب الصحراء الزراعي، يوجه ويرشد المزارعين، ويقدم لهم الدعم المطلوب في وقته، ومع مستحقيه، كحالة شبيب، ويستقصي الآفات وطبيعتها، وفي الوقت المناسب، فمستقبل البلاد الزراعي أصبح الآن في النجد الزراعي.
كما إن قضية الشاب شبيب خاصة في النطاق العام بما أشرت إليها سابقاً، وهى تستحق الدعم العاجل حتى يذهب هذا الشاب بمشروعه إلى المدى البعيد، فهل نتطلع مثلا إلى دعمه بالمبيدات من الجهة الزراعية.. هذا أقل واجب يقع على عاتق من شرف بالمسؤولية عن الملف الزراعي واستحقاقاته الغذائية، فكيف إذا ما تقاطع معه جهود شاب قاده طموحه من المدينة إلى الصحراء، لكي يخترق نجاحه، لكنه فوجئ بحروب في الصحراء فوق طاقته البشرية والمالية، ورغم ذلك لا يزال صامدا ومناضلا، فتحية لهذا الشاب، وتحية لكل شبابنا الذين انحازوا بعقلانية وواقعية النور الذي حررهم من التفكير النمطي والاعتيادي، ونجد بصماتهم فوق السطح هذه الأيام، فهم يستاهلون الدعم، وعلى المؤسسات الانفتاح الإيجابي نحوهم، وقد أتناول بين الفينة والأخرى قصة شاب للدواعي سالفة الذكر.