المعرفة والطريق إليها.. جدل أزلي

 

عيسى الغساني

تحتل المعرفة والطريق موضعاً متقدماً في سلوك الإنسان اليومي وسعيه المُتواصل لفهم وتفسير ما يجري حوله من ظواهر كونية ومن ثم تسخير الكون واستخدامه سواء في الخير أو الشر على المستوى الفردي أو الاجتماعي أو بين الكيانات والدول لتحقيق المصالح وحسم الصراعات.

وعلى الرغم من التطور العلمي والمعرفي الذي بلغه الإنسان لاتزال المعرفة والطريق إليها مفهومان يدور حولهما الجدل والخلاف ليس على الصعيد النظري بل على صعيد المنهج العلمي. ويحكم المعرفة تساؤلان وهما: ما المعرفة؟ وما الطريق الأمثل للمعرفة؟

أما من حيث ماهية المعرفة؛ بمعنى ما المعرفة الحقة أو ما حقيقة الأشياء بذاتها؟ فتحديد حقيقة المعرفة يثير عدة ضوابط وهي: هل المعرفة قائمة بذاتها؟ وهل المعرفة عن طريق الحواس تمثل حقيقة المعرفة؟ أم هي تصور أو انطباع في الذهن يتشكل بين الحواس وخلايا العقل فهي وذات الشيء أمران منفصلان؟

ولضرب مثل حاسة البصر خلال النهار تعمل بطريقة مختلفة عندما يقل الضوء وعند دخول الظلام، فالأشجار تتفاوت بين اللمعان والأفول بحسب قوة الضوء الذي ترسله إلى حدقة العين، وكذلك بعد الشواخص يعطي انطباعًا بالصغر بينما القرب يعطي انطباعا مختلفا فتبدو أنها أكبر حجما. وبالمثل الظواهر النفسية والعقلية الاقتراب منها وتصورها باستمرار يعطي انطباعا خادعا وربما مسيطرا، على الرغم من أنها في الحقيقة لاتعدو كونها تصورات غير واقعية. وهنا تظهر أهمية استخدام التفكير المجرد لتعريف المعرفة والابتعاد قدر المستطاع عن إدخال وإقحام الحواس والمشاعر والتجارب الشخصية في تعريف المعرفة التي يسعى الإنسان إلى إداركها.

وعن الطريق إلى المعرفة فهو أكثر وعورة عن المعرفة ذاتها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحواس هي بوابة المعرفة وأنه بدونها يصبح التصور والانطباع غير ممكنين وأن ما يسمى بالعقل الخالص أو المجرد، علم خارج نطاق الطبيعة وهو ما يطلق عليه الميتافيزيقيا، ورغم ظهور مدارس فكرية  بعلم ما وراء الطبيعة، إلا أن القوانين العلمية الناظمة لهذا العلم لا تزال في مهدها أو على الأقل رهينة صفوة من البشر وغير متيسرة للآخرين بحكم قيود المادة وسطوتها. لكن رغم ماسيق يبقى استخدام نظرية المعرفة هو الطريق لاستكشاف واستشراف آفاق المعرفة البشرية.

وتظل تحليل طبيعة المعرفة، والعلاقة بالحقيقة والمعتقد والتبرير مفاهيم تتعاطها الدراسات والبحوث سعياً لسبر أغوار الحقيقة والسبب الأول.