النظر للأفق بنظارة سوداء!

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

(1)

رأسُك تحت المقصلة، بين الشجاعة للوجود وتردُّدات التثبيط، وقُبعة الخيبة الخفية.. من الشجاعة أن تُحاول إثباتَ وجودك، وشق عصا الجمود السلبي، بقَولك: "لا أقدر، ولن أكون".. استسلامٌ وتسليمٌ سَهل، ألا تُرافق بذرة الوجود والبقاء شجاعة النضال؟!

 (2)

هل يَجب أن تكون مناضلًا؟

قد يقفز إلى ذهن الكثير نهاية المناضلين المحتملة، وهي مقصات المقصلة بالمعنى الضِّمني، والحقيقي "الموت"، أمثال تشي جيفارا، لكنهم بشر استباحت دماؤهم إنسانيتهم المفرطة.

قال لي أحدهم بعد أن درات رَحَى النقاش عن مواكبة 2040 والخطط والآمال، والمفروض واللازم، وختمت كل تلك النقاشات بكلمة واحدة: "يعتقدون أنهم بالدنمارك.. الخطط تصلح أن تكون هناك فقط".

إنَّه النظر للأفق بنظارة سوداء، الجميع تحصَّن بنظارته السوداء، وتخلى عن الشجاعة لأجل الوجود، أم أن لذة النضال خَبَت؟

سُحقا.. هل يجب أن أتخلى عن النضال والاكتفاء بانتظار الوصول دون أن أكلِّف نفسي عناءَ السير؟ وهل أتحرَّى منازل المناضلين أو انتصارهم؟

بصمة الطغم.. أنَّ المناضلين لا ينتصرون.

(3)

خُضت جدلاً بيني وبين نفسي: هل يتوجب على المناضل أن يقود حرباً ومعركة بها من ينتصر ويخسر؟ أم أنَّ عاركَ الحياة، يصرعها وتصرعه، يعد نضالاً؟

هل هو خطأ أم صواب أن أعاكس التيار، أم يتوجب علىَّ أن أساير، وكما يُقال: "مشي مشي.. المركب تمشي"، فما يقع على الجماعة يقع عليك، ولن تشذ وتقع فريسة الشماتة ولومة اللائمين، ماذا أسمِّي نفسي حينها: مناضلًا أم مسايرًا؟

وأين شجاعتي في أن أختار وأحدِّد وجودي المتفرد؟ ألا يكفي أن يكون لك شرف محاولة بشجاعة، بدلًا من تهميشك وتقزيمك لما يُفضِّله المسار والتيار؟

حَكى علي عزت بيغوفيتش أنَّ ياسر عرفات نصحه قائلا: "لا تكرِّر خطأنا؛ فقد رفضنا العرض الإسرائيلي..."، نصحه "بأن يقبل التقسيم، وأن يُوافق على العرض الصربي بدويلة صغيرة للمسلمين داخل البوسنة والهرسك، فلا طاقة لهم بمناطحة الجيش اليوغسلافي"، وقد كان حينها يعدُّ رابع قوة في أوروبا، وهذا ما صرح به علي عزت في مؤتمر صحفي بالعاصمة المحاصرة سراييفو، لكنه عاد ودعا إلى مؤتمر صحفي جديد، صرَّح فيه أنَّ جنوده والقيادات العسكرية طلبوا منه صَرْف النظر عن الفكرة المقترحة، وأنهم سيواصلون النضال.

لا تُجدي المنطقية مع النضال، ولا تشرئبُّ الأعناق مع الخنوع؛ فمن يُمطر عليك النصح بقوله "لا تتهور" أو "ستخسر"، لن يفعلوا شيئًا، فلا تُتعب نفسك"، هؤلاء الساكنون في قعر الحفر، وتطوق أنفسهم للقمة، وتتخاذل هممهم وتتسمر أقدامهم في القاع.

وإنَّ الدرك الأسفل هو أن تتفقد وجودك، ويسقط منك منطقك وأخلاقك تحت مقصلة مواكبة التيار.. هل فكرت يومًا: ماذا لو لم يُخلق النضال على الأرض؟ فمن سينصُر الضُّعفاء؟ هل ينتظرون الآخرة لتحقيق العدالة؟

(4)

رفضُك النضال بحجة أنْ لن تصل، لا يشفع لك التنصُّل من مسؤوليتك أيًّا ما كانت صغيرة أو كبيرة، بل هي تخلٍّ عن حقك في الوجود، ورضائك بما فرضه عليك نَسقُ السياق العام.

"إنْ ما يدع أهل الشر ينتصرون هم أهل الخير أنفسهم" - إدموند بيرك. أن تتبع "حزب الكنبة" بسكوتك وصمتك هو ما يقوِّض الخير وينشر الشر. أوَّل شرورنا تجاهل "نفسك الأخرى"، والموت ببطي ورفض الشجاعة لأجل الوجد.

وإن أخذتك التخيُّلات، وسألت: ما هو "حزب الكنبة"، فأقول لك إنَّهم المراقبون بصمت لمُؤشر: من عَلَا سهمُه اصطفوا حوله، ومن دنا سهمه نفروا من حوله.. هم من ينطبق عليهم "أمسك العصا من المنتصف" أو "معاهم معاهم، عليهم عليهم".

(5)

هل أعترفَ لكم: لقد تأرجحتُ بين عنادِ النضال وفتنةِ "الكنبة"، إلى أن أوقفتني مرآتي يوماً، باغتنني بسؤالها عن "الربح والخسارة".

قد تستيقظ في الغد وقد خسرت مالك، أو خسرت حياتك، فأيهم ستتمنَّى أن لا تخسر؟!!!!

"الروح لا تُعوَّض..".

"رُوحك أم الأخلاق؟".

"الروح لا تعوَّض..".

"إذن، لا تملك الشجاعة لأجل الوجود"، قد تعيش مائة عام وتُدفن ولن يشفع لك عملٌ واحد، وستطوى مثل مليون شخص طووا، وقد تعيش عشرَ سنين وتمتلك الشجاعة والنضال وتبقى ذكراك لألف عام.. بكل الأحوال، أنت خاسر لأنك لم تناضل.

مُتْ نظيفاً؛ سواء وصلت إلى المبتغى أو طافك، فإنَّ شرف المحاولة بعيداً عن التيارات، قد تبدو غير منطقية، ولكن ألا تعتقد أنه من المنطق أن تُخالف المنطق العام بشجاعة لأجل وجودك؟!!!