راشد بن سباع الغافري
لا أعلم بالتحديد متى ظهر مصطلح "شاوية" بمفهومه الحالي؛ لكن ما أعرفه جيدًا أنه أصبح متأصلا في ثقافة وممارسات كثير من الشباب، نعم يوجد في ثقافتنا مصطلح الشواء، وهو ضمن العادات والممارسات الثابتة في الأعياد ومناسبات الأفراح، لكن لستُ أدري إن كان قد أخذ هذا المصطلح من تلك العادات أم لا؟! كلمة "شاوية" أصبحت تتردد للرمسات والطلعات وفي الرحلات، وعند الرغبة في تغيير نمط العشاء لدى الأسرة الواحدة، وقد باتت كثير من السيوح في الليل كالمداخن تنبعث منها روائح الشواء الزكيّة للحوم والدجاج والأسماك، وبعض المنتجات الحديثة خصوصاً أيام الإجازات وفي نهاية الأسبوع.
ربما ينظر البعض إلى هذا الأمر على أنه أمر طبيعي في ظل حاجة الناس إلى التنفيس من الضغوط الحياتية التي يواجهونها، وأيضاً كنوع من التغيير والترفيه من الروتين اليومي. ولم يقتصر ذلك على شللية الشباب، أو رفقاء العمل؛ وإنما انتقل سريعًا إلى كثير من الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم؛ وهذا ما حدا بي إلى اختيار عنوان هذا المقال؛ حيث تبيّن لي من خلال لقاءاتي وزياراتي لكثير من النَّاس؛ ومن خلال حديثي لعدد من الفئات العمرية المختلفة أن هناك الكثير من صغار السن يخرجون ليلًا إلى السيوح أو المزارع أو الأودية القريبة منهم لعمل "الشاوية" حتى دون إخطار أهاليهم بذلك! قد يكون من المُفيد أن يتعلم الطفل الاعتماد على نفسه، واختيار صحبه، وممارسة بعض الأعمال والهوايات، ولكن سيكون من المُفيد أكثر لو كان ذلك بمعرفة وتوجيه من هم ثقة ومن الناصحين له. أما ترك الحبل على الغارب فإنَّ ذلك قد تكون عواقبه وخيمة، تظهر نتائجها السلبية على المدى القريب أو البعيد.
العاقل منِّا يعلم جيدًا ما في شللية الأطفال وما في سهراتهم خارج المنزل من أخطار؛ سواء كانت سلوكية أو لفظية، أو أخطار بيئية قد تتمثل في نشوب حرائق أو حالات غرق أو لدغات مُميتة أو سقوط من مرتفعات لا يستطيعون معها القيام بالتصرف الصحيح لقلة خبرتهم في الحياة.
إنَّ ما أسمعه من كثير من الأطفال حول الطلعات والرمسات التي قاموا بها، والأحداث التي حدثت لهم أثناءها، وعودتهم المتأخرة ليلًا إلى منازلهم دون حسيب أو رقيب، رسم على وجهي كثيرًا من علامات التعجب، خصوصا عندما كنت أعقد المقارنات في ذهني بين ما كان عليه جيلنا في مثل هذا العمر وبين ما عليه الجيل الحالي.
مُقارنة جعلتني لا أستطيع الحكم بما هو الصواب فعلًا، إلا أنني كنت أعزي نفسي بالقول إنَّ لهذا الزمن خصوصيته ومتطلباته التي لا تتوافق مع خصوصيات ومتطلبات زمن خلا.
لكن ما أظنه جيدًا؛ بل وما أعتقده في قرارة نفسي، أنَّ للوالدين ولولي الأمر دورًا مهمًا في التوجيه الصحيح لمن هم تحت إمرتهم؛ وهم من يتحمل مسؤولية التنشئة الصحيحة لذلك الطفل حتى يصل إلى مرحلة "لا تزر وازرة وزر أخرى"، فبعض متطلبات الزمن المادية- وإن تغيرت- لا يُفترض أن تتغير معها المعنويات كالتربية والآداب. أما إعطاء ذلك الطفل الثقة المُطلقة في الذهاب والإياب والصحبة والسلوكيات المختلفة دونما تقنين أو ضوابط؛ فتلك ثقة هدامة سيكون وبالها وخيمًا ليس على ذلك الطفل فقط بل على الأسرة والمجتمع.
فكم من شاوية في الصحاري والبراري جلبت لأصحابها همًّا كبيرًا لا يُمكن للزمن أن يمحوه بسهولة ؟!