المليار ريال.. وآلامه الاجتماعية

 

د. عبدالله باحجاج

 

◄ يجب أن يكون الحل الدائم هو تعزيز الاقتصاد الإنتاجي من خلال مصادر كالزراعة والأسماك والسياحة والطاقة المتجددة والقطاع اللوجستي واستثمار جيوستراتيجية السلطنة

 

إذا تمكنت الحكومة من تحصيل مليار ريال عُماني عن طريق الضرائب والرسوم فقط، وفي تسعة أشهر فقط، وفق ما كُشف عنه مُؤخرًا، فينبغي في المقابل البحث عن الآلام الاجتماعية والاقتصادية لهذا المليار خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة؟

فمن بين أهم استهدافات الضرائب والرسوم، رواتب المواطنين التي أغلبها ضعيفة، وكذلك سيكون المتضرر أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ أي أنَّ الفئات المتضررة هنا هما الطبقتان الدنيا والمتوسطة، وربما لن نجد هذا التقسيم الثنائي قائمًا إذا ما واصلت الجبايات استهدافاتها الأحادية غالبًا هاتين الفئتين، وقفزت فوق حقائق مالية جديدة، قد أصبحت منتجة للمال. وهذا المليار من الضرائب والرسوم فقط، أي بخلاف رفع الدعم عن الوقود الذي وصلت تسعيرته في الشهر الجاري إلى مستويات قياسية جديدة وسط استياء اجتماعي متصاعد.. وهنا التساؤل: كم يبلغ مقدار العوائد المالية التي أدخلت لخزينة الدولة بعد تعويم تسعيرة الوقود؟ والتساؤل نفسه يُطرح كذلك عن مجموع العوائد المالية الناجمة بعد إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وسياسة التَّقاعد الإجباري؟ مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار النفط، ووصولها إلى أكثر من الضعف عمّا استهدفته موازنة عام 2021.. والقائمة طويلة؟

يبدو أنَّ السياسة المالية قد بُرمجت آليًا لأربع سنوات متواصلة، بحيث لا تتوقف أو تخفف أو تعدل من مساراتها وحديتها عند أية مستجدات إيجابية تنتج المال لخزينة الدولة، فلا يبدو أن هناك مؤشرات على مراجعات مرتقبة- سنُخصص لها مقالًا لاحقًا- خاصة بعد التَّعافي الاقتصادي الذي كشف عنه معالى الدكتور وزير الاقتصاد؛ إذ التفكير الجبائي هو الطاغي، وبين الفينة الأخرى، يكشف عن مسار جبائي جديد، هدفه المال، كالبطاقة الشخصية للأطفال، وغرامات تأخير استخراجها أو تجديدها. وقد حاولتُ الحصول على عدد أطفال السلطنة الذين بلغوا سن العاشرة، فلم أتمكن، فكل ما حصلت عليه عدد الأطفال الأقل من 18 عامًا، وهم مليون و185 ألفًا و59 طفلا بنهاية عام 2020، يشكلون ما نسبته 43% من مجموع العمانيين، بحسب وكالة الأنباء العمانية.

فكم من سيولة مالية ضخمة ستجنيها خزينة الدولة من البطاقة الشخصية للأطفال؟ هذا نموذج لمسار الجبايات الجديد في بلادنا، فكم ستكون قدرة التحمل الاجتماعي؟ وإلى متى؟ وإذا كانت وزارة المالية ستعتبر المليار ريال من الضرائب والرسوم، انتصارًا لسياستها المالية، فينبغي أن يكون العكس لوزارة الاقتصاد خاصة، والحكومة عامة، وذلك على اعتبار أنه جنوح مالي نحو الجبايات على حساب صناعة اقتصاد إنتاجي مضمونة مصادره وآمنة سياسيًا واجتماعيًا، ولم تُشكِّل نسبة مئوية مقبولة من الاهتمامات المستوجبة.. فكل السياسات المالية تنصب على الجيوب فقط، رغم أنه كان ينبغي أن تمس الشركات والتجار والرأسماليين فقط كمرحلة مؤقتة لمواجهة الأزمة المالية، وبعض الرسوم أو الضرائب الاجتماعية التي يكون وراؤها تطوير المجتمع، ويكون الحل الدائم الاقتصاد الإنتاجي من خلال مصادر كالزراعة والأسماك والسياحة والطاقة المتجددة والقطاع اللوجستي واستثمار جيوستراتيجية السلطنة.. إلخ.

وعندما أفكر في المليار ريال ضرائب ورسوم، وأقارنها بـ7 إلى 9 مليارات ريال خسائر الشركات الحكومية، وفق ما قاله الأخ الكاتب على المعشني، وزيادة دعم قطاعات خدمية أربعة أضعاف بعد خصخصتها، فالمشهدان- الجبائي والدعم الحكومي- يظهران مختلان هنا، ومتعارضان، ولن يستقيما مع المنطق الطبيعي، ويبعثان برسالة مفادها أنَّ الجهات الحكومية تختار الطريق الأسهل لجني الأموال؛ وهو الجبايات. لكنه طريق محفوف بالمخاطر المتعاظمة اجتماعيًا وسياسيًا، ولم يرتق أداء الفاعلين الحكوميين والمستقلين حتى الآن إلى مستوى هذه المخاطر المحتملة- لا قدَّر الله. لذلك؛ أرى من الأهمية المستعجلة الإسراع في المراجعات السياسية العاجلة لمسارات مالية ضاغطة على المجتمع، وهذا ما سنتناوله في مقال مقبل إن شاء الله.