ازرعوا الأمل للأجيال القادمة

 

علي بن سالم كفيتان

يُوافق الحادي والثلاثين من أكتوبر، يوم الشجرة، ونحن ننظر لآلاف الأشجار المعمرة تلفظ أنفاسها الأخيرة في مختلف ربوع بلادنا الغالية، دون أن نُحرك ساكناً، مما يشعرنا بخيبة أمل كبيرة، من حيث الالتزام البيئي تجاه الوطن، والالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه العالم.

ففي الوقت الذي تقدم فيه بلدان المنطقة مبادرات طموحة لتشجير أراضيها بمليارات الدولارات والمراهنة على الخيار البيئي كبوابة للتنمية المستدامة في العقد المقبل، لا زلنا نبحث عن إشهار جمعية تعنى بالشأن البيئي وتوضع أمامها عشرات العراقيل والشروط، رغم أنَّ تلك الجمعية وغيرها لن تكلف ميزانية الدولة ريالًا واحدًا.. فأين نحن اليوم من السباق العالمي لإعادة تخضير الأرض؟

إن الحديث عن كوننا أول دولة عربية تنشئ وزارة للبيئة يُشعرني بالحزن العميق والأمر ذاته عند تذكر مواقف السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- من الوضع البيئي المحلي والإقليمي والدولي وريادة السلطنة لهذا الملف، لكن الأسئلة الملحة التي ترد للذهن هي هل استفدنا من هذا الزخم السلطاني في العهد السابق لحماية البيئة في السلطنة؟ ربما الإجابة بحاجة لعقد نقاشات جادة وتقييم دقيق لموقف السلطنة البيئي والاتفاق على نهج يقودنا لمواكبة الأحداث والتدخل السريع والحازم لإنقاذ النظم البيئية، التي باتت تعاني بين أيدينا، وعلى مرأى ومسمع منِّا جميعًا. وأبدأُ من وضوح الرؤية وتحديد الأهداف المرتبطة بالفترة الزمنية والحوار العقلاني بين المجتمعات المحلية والسلطات المحلية لإيجاد البدائل السريعة قبل فوات الأوان.

لا شك أن بعض المسؤولين والنشطاء في مجال البيئة أصابهم الوهن وسيطر عليهم البحث عن تحسين المؤشرات وتضخيم الجانب الإعلامي للمنجز، وهذا مرض عضال ظل معنا لفترات طويلة؛ لذلك ظلت محمياتنا الطبيعية رغم تنوعها ومساحاتها الشاسعة مجرد رقم يقارن فيه حجم الأراضي المحمية من مجمل مساحة السلطنة؛ كنوع من الاشتراطات الواجبة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة. فمعظم المشاريع البيئية المُعلن عنها لا تخضع لقياس مؤشرات التقدم أو الإخفاق ولا توجد هناك عتبات نسعى لبلوغها للأسف، فعندما نحمي حيوانًا أو طائرًا أو حتى نوعًا نباتيًا معينًا أو كائنًا بحريًا، ننطلق من الحماية المطلقة المعتمدة على التحريم المطلق، ولهذا بعد مرور 50 عامًا لا نعلم هل الأنواع المهددة بالانقراض لدينا ما زالت ضمن نطاق التهديد المباشر؟ أم أنها انتقلت لتصنيف أفضل؟ وفي كلتا الحالتين نُتهم بالتقصير؛ فبعض الأنواع عند زيادتها عن الحجم المعقول يصبح نشاطها مهددًا لأنواع أخرى، ويصل ضررها للإنسان، وفي الحالة الأخرى إذا لم تستطع 50 عامًا من الحماية تحقيق الهدف من تعافي الأنواع المهددة وخروجها من دائرة التهديد، فهذا يعني أن هناك خللًا في المنظومة البيئية يجب تداركه سريعًا.

في العام الماضي، زرعتُ قرابة 20 شجرة محلية وعملتُ جاهدًا على رعايتها، وبالطبع أشكر هيئة البيئة التي تقوم بتوفير الشتلات وتوزيعها مجانًا عبر مشاتلها في مختلف مناطق السلطنة، ولدي النية لزراعة عدد مُماثل في عيد الشجرة هذا العام. ومما يثلج الصدر هو الحراك المجتمعي والشبابي لحماية الأنواع المحلية في مختلف المحافظات، وخاصة في محافظة ظفار، والذي يجب النظر إليه كعامل دعم لجهود هيئة البيئة وليس منافسًا لنشاطاتها. ففي الوقت الذي يتحرك فيه آلاف النشطاء لاجتثاث نبتة البارثنيوم الغازية بدعم ورعاية كريمة من الجهات المعنية، نتطلع لعمل مماثل في الاستزراع وإعادة الغطاء الأخضر للمناطق المتضررة، ونأمل كذلك تعاون ملاك الماشية وتفهمهم لما يُبذل من جهود عبر انتهاج سياسة إراحة المراعي ومنحها الفرصة للتعافي، وكل ذلك لا يُمكن تحقيقه، إلا بسلطة محلية ملتزمة ومؤمنة بالخيار الأخضر كبوابة لمستقبل زاهر ومستدام.

في الختام.. لابُد من الإشارة للفتة السامية لمولانا جلالة السلطان- أيده الله- العام الماضي باستزراع شجرة لُبان كرمزية واضحة لاهتمام جلالته وإيمانه العميق بأهمية البيئة، وكنتُ أتوقع أن تطلق الجهات المعنية مُبادرة لاستزراع "مليون شجرة لبان" من واقع هذه الومضة السلطانية الكريمة؛ فاللبان شجرة مُباركة واقتصادية في ذات الوقت، وتسعى المُنظمات العالمية وعلى رأسها السايتس (اتفاقية التجارة العالمية للأنواع الحيوانية والنباتية والمهددة بخطر الانقراض)؛ لإدراجها ضمن قوائم الاتفاقية، مما يعني ضمنًا إخفاقنا في إدارة مواردنا الطبيعية.