الطليعة الشحرية
(1)
أتسمعينَ أحاديث المُنمنِمين؟
أتسمعين خفقات المُغِيرين؟
أتسمعين أنينَ الُمستكينين؟
أتسمعين؟.. أتسمعين؟
أقطوفُ الألمِ تجنين؟
رعاف سمائك لا يلين
شاخَت روحُك ولا مُعين
أتسمعين.. أم تستهينين؟!
(2)
... دينج دونج دين...
"عميلنا العزيز، عليك قتل نفسك قبل أن يقتلك الآخرون"
جَحَظت عيناه، وحملق برعبٍ من حوله: "مَن؟ مَن سيقتلني؟"
...دينج دونج دين...
"عملينا العزيز، ستموتُ قريبًا، أو بالأحرى سيتم قتلك، بل سَحقك حتى تموت، سيتم عصرُك من قِبل الحمقى".
"الحمقى؟!!!!"
"نعم الحمقى، وسيتمُّ مصُّ عصارة عقلك، وتُسحب طاقتك وبطاقتك، ستُسلب رغم أنفك، وسترضى رغماً عنك أيضًا؛ لذا نحنا ننصحُك يا عميلنا العزيز بالانتحار قبل أن تُقتل".
(3)
المستمعون كُثر والمنصتون قليلون
تتوهُ منك نفسك في زحام الحياة، بين العمل والحاجة إلى البقاء، وبين ضحكات الأخِلَّاء وجفوة الأقرباء وعتاب الأهل والأصدقاء.. تتسعُ الفجوات وتسقُط بها أجزاءٌ منك سَهوًا، وقِطعٌ أخرى تتماهى مع محيطها؛ الانتحارُ الذاتيُّ يزحف ببطء ورشاقة جُندي مُتخفٍّ، فاقتُل نفسك قبل أن يصل إليك ويقتلك.. "مُتْ فارغاً".
(4)
الشَّرِيك
شَارِك نفسك الحوارَ، صاحبها، اختَلِ بها؛ فالصخبُ المُضجِر والضَّوضاء هما الحياة التي تتقيَّأ عليك عندما يشتدُّ سقمها، تُسمِّمك، وقتها سينتهي أمرك بالانتحار مَسموماً.. أنصِت لنفسك وتخاصم معها، اتَّفِق أو لا تتفق على رأي، لا تُفسح المجال لتسميمها والانتحار من قبل المُستمعين. اختارُ العيش بوحدة لبعض الوقت لا يعني أن تَجْنَح إلى العُزلة دوماً، قال جان بول سارتر: "إذا شعرت بالوحدة وأنت وحدك، فأنت في رُفقة سوء".. صدِّقني، إنَّك تُعرِّض روحك لسمٍّ بطيء قاتل أثناء انشغالك بازدحام الحشود؟
(5)
دِيْنُ العُزلة
"كلما كان العقل أكثر قوَّة وأصالة، زاد ميله لاعتناق دين العزلة" - ألدوس هكسلي. تخطف نفسك في خضم الدنيا، وتتشتت وتضيع منك، فيتوجب عليك أنْ تعاود خطفها مرة أخرى. اخطفها ولا تترُكها أسيرة لقاتليها؛ فهذا العالَم بَشِع لا يستحقُّ كل هذا الجهد، الفائز فيه هو المترفِّع عنه. يمكنك أن تصرخ وتولول وتشتكي، ويمكنك مواجهتها كرجل شجاع أو كامرأة شجاعة، فإذا نجحت ارتقيت إلى مستوى آخر أشد صعوبة مما سبق، ولن تنتهي هذه المستويات مطلقاً إلى أن يشتعل رأسك شيباً، سترسُب في أحد المستويات، وستعاود الدوران في نفس الدائرة، حتى تتمكن من اجتيازها. فاخطف نفسك بنفسك قبل أن تُنحر على يدي أحدهم، اعتزِل لفترة واختَلِ بنفسك لتعاود نشاطك وتتجلى أفكارك.
ففي عالم حبِّ الذات، يتجاهل الكثيرون ذواتهم التي تنتحر بصمت؛ بحجة أنَّ الأنانية دناءة، ولكن ألا يعني تجاهُل ذاتك لإشعال شمعة لمن سيتجاهلك لاحقاً بعد انطفاء نورها، انتحارًا بطيئًا. لا تنتهي مَخاوفك، ولن تعرف مصيرك، سيطلُب الجميع منك شيئًا، وستتطلب الحياة منك أشياء، وستنفخ سمومًا وآلمًا منقطعة النظير فيك، فكن أنانيًّا للحظات، وتجاهل، واخلُ، واعتزل، ولَمْلِم شتاتك، واستَعِد شريكك.