سالم بن نجيم البادي
يُثير العقاب البدني للطلاب في مدارسنا إشكاليات لا تنتهي، والجدل مُستمر بين مؤيد ومُعارض له، ويرى أصحاب الرأي المؤيد للضرب أنَّه شر لا بُد منه، وأن طلاب تلك الحقبة التي كان الضرب فيها مُباحًا وسائدًا كانوا أكثر جدية واهتمامًا بالتحصيل العملي وأكثر صبرًا وقوة تحمل، وكان الطلاب يحترمون المُعلم ويقدرونه ويخافون عقابه، ويقومون بمذاكرة دروسهم وحل واجباتهم ويتنافسون على المشاركة في الحصة والإجابة على الأسئلة التي يطرحها المعلم، ويوجد بينهم التنافس الشريف على المراكز الأولى وعلى جني الدرجات مع الحماس والهمّة العالية والجد والاجتهاد والرغبة الصادقة في التعلم، ولا تكاد تجد من بينهم من يتصف بالإهمال واللامبالاة والتسويف أو من يتطاول على المعلم بالقول أو الفعل إلا نادرًا.. كان ذلك جيل الطيبين كما يُقال!
ولعل الفريق المؤيد للضرب يستند إلى المادة 38 من قانون الجزاء العماني والتي نصت على أنه "لا يعد جريمة ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم وأساتذتهم في حدود ما يبيحه العرف العام"، ويرى الذين يرفضون العقاب البدني للطلاب في المدارس أنَّ هذه المادة سوف تفسر تفسيرات واسعة وتطرح حولها أسئلة كثيرة، فما هو الضرب الذي يبيحه العرف العام وما مقداره؟ وكيف للضارب أن يقيس حدود الضرب حتى لا تخرج عن العرف العام؟ ويخشى أن يتم التوسع في مجال العقاب البدني استنادًا إلى هذه المادة القانونية. الذين يرفضون العقاب البدني يرون أن العقاب البدني تم تجريمه في البند (ح) من المادة 56 من قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني 22/ 2014 والتي تنص على أنه "يحظر على أي شخص ارتكاب أي من الأفعال الآتية: ممارسة أي شكل من أشكال العنف على الطفل وتكفل الدولة تنفيذ الحظر المنصوص عليه في البنود السابقة واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لذلك".
وقد تم حسم موضوع العقاب البدني عندنا في وزارة التربية والتعليم، فالعقاب البدني ممنوع تمامًا، ومع وجود لائحة شؤون الطلاب التي تبين الإجراءات التي تُتخذ في حق الطالب الذي يرتكب مخالفات، وهذه اللائحة شاملة وعادلة، وتتبع أسلوب التدرج في العقوبة، بداية من النُصح والتنبيه والتعهد، إلى الفصل المؤقت والفصل النهائي، حين لا تنفع العقوبات الأخرى أو تتكرر المخالفات، فلا داعي للعقاب البدني، وينبغي اللجوء إلى اللائحة دائمًا عندما تصدر سلوكيات غير مقبولة من الطالب عوضًا عن العقاب البدني.
وتوجد طرق كثيرة للتعامل مع الطلاب غير الضرب، ومنها الرفق واللين والتعامل الإنساني والتقرب إلى الطالب ومحاولة الغوص في أعماق نفسه؛ لمعرفة نوع شخصيته وأحوال أسرته والبيئة التي قدم منها، والمشاكل التي يعاني منها في المنزل ومعرفة الأمراض التي يعاني منها بعض الطلاب، وقد لا يعلم بها المعلم، ولقد سمعت عن حالات مرضية مثلاً حالة ذلك الطالب الصغير الذي يعاني من فرط الحركة، وطالب آخر قد أُجريت له عدة عمليات في جسده، والطالب الذي يعاني من الربو، والآخر الذي يضطر إلى الذهاب إلى دورة المياه للتبول في فترات متقاربة، والطالب الإنطوائي ومن لديه تخلف عقلي خفيف، والطالب الذي يُعاني القلق والخوف والأمراض النفسية، والطالب الذي يعاني من ظروف اجتماعية صعبة؛ مثل ذلك الطالب الذي حدث طلاق بين والده ووالدته، والتي تزوجت بعيداً ووالده يذهب إلى العمل في مكان بعيد، وهذا الطالب يعيش الآن مع جدته العجوز، وهو يقوم بخدمة نفسه وهو في المدرسة كثير الفوضى، وربما يحاول لفت الانتباه إليه، وذلك الطالب الفقير جداً الذي غالباً ما يأتي إلى المدرسة وهو يرتدي ملابس رثة أو قديمة أو ممزقة، وهو صاحب شخصية منطوية، ويخجل من الخروج للسبورة للكتابة أو حل المسائل... أمثال هؤلاء وغيرهم لا يحتاجون إلى العقاب البدني، وإنما يحتاجون إلى العطف والرعاية والاهتمام. وقد يُطرح هنا السؤال التالي: لماذا لا يأتي ولي الأمر إلى المدرسة ويخبر المعلمين وإدارة المدرسة عن حالة ابنه الصحية والاجتماعية؟ والجواب أنه ليس كل الآباء يتواصلون مع المدرسة، وهذه مشكلة أخرى تعاني منها المدارس؛ وهي عزوف أولياء الأمور عن التواصل مع المدرسة، كما إن بعض أولياء أمور هؤلاء الطلاب يقولون إنهم لا يريدون أن يشعر أولادهم أنهم يختلفون عن أقرانهم حتى لا تتأثر نفسياتهم ولا يريدون أن ينظر إليهم نظرة الشفقة، وفي كل الأحوال يرجى من المعلمين والإداريين في المدارس عدم اللجوء للعقاب البدني رحمة ورفقًا بالطلاب، ولتجنب التبعات القانونية، فقد يصل الأمر إلى المستشفيات لإثبات واقعة الضرب ثم إلى الادعاء العام، أو يضطر المعلم إلى أن يريق ماء وجهه وهو يعتذر من ولي الأمر، حتى لا يصل الأمر إلى القضاء، وتترتب مشكلات أخرى على العقاب البدني للطالب مثل إضاعة وقت مدير المدرسة في اتصال ولي أمر الطالب الذي تعرض للعقاب أو حضوره إلى المدرسة لتقديم شكوى ضد المعلم الذي عاقب الطالب، وقد تحدث مشادات كلامية بين ولي أمر الطالب الذي تعرض للعقاب وبين المعلم الذي قام بالعقاب البدني داخل المدرسة وأمام الطلاب والمعلمين.
لا أشك في قدرة المعلم في احتواء الطالب المشاكس أو الذي تصدر منه تصرفات غير مقبولة بطرق تربوية وأبوية حانية غير العقاب والتوبيخ والكلمات الجارحة، والمعلم- وقد اختار هذه المهنة النبيلة- يعلم أن عمله يتطلب منه التَّحلي بالصبر والحكمة والعمل المخلص لوجه لله تعالى، وأنه يقع على عاتقه بناء شخصية إنسان سوي لديه الاعتزاز والثقة بنفسه وقادر على تحمل المسؤولية والقيادة والمبادرة والتفكير الناقد، وعلى المعلم غرس مبادئ الحرية والكرامة والعدالة في نفوس الطلاب الغضة بعيدًا عن القهر والذل والكبت والقمع، وليعلم المعلم أنه لا يوجد طالب ميؤس منه من الناحية العلمية والأخلاقية، ويجب عليه البحث عن الجوانب المضيئة في شخصية هذا الطالب وتنميتها، والنتائج سوف تكون مذهلة بإذن الله.