د. عبدالله باحجاج
هل جرت دراسة قرار تعمين مهنة سياقة الشاحنات الناقلة للمُنتجات الزراعية والمداخل الزراعية قبل اتخاذه؟ إنَّ أكثر المتضررين من هذا القرار الآن، هم مزارعو النجد في مُحافظة ظفار، الذين لم يجدوا من السائقين العُمانيين ما يكفي لتغطية الشواغر بسبب حظر عمل غير العمانيين في هذه المهنة.
هناك عدد قليل جدًا من السائقين العُمانيين، ليس في مستوى الحاجة الفعلية التي تتطلبها عمليات التسويق، ولذلك أصبح المزارعون مُهددين بتضرر موسمهم الزراعي السنوي، وقد تلقيتُ منهم صورًا ومقاطع فيديو تظهر تكدس محاصيلهم في الصحراء تحت حرارة الشمس؛ حيث لم يجدوا الشاحنات الكافية لنقلها إلى صلالة أو مسقط.. في مشهد مليء بالحسرة والقلق الكبير من خسارة موسمية مُتوقعة، فمن سيكون المسؤول عندئذ؟!
معالي الوزير المختص.. لا يمكن بالسهولة المتوقعة توفير سائقي الشاحنات من العمانيين بالعدد المطلوب؛ ففي مواسم الحصاد في النجد بمحافظة ظفار، تحتاج عملية تسويق منتجات المزارعين إلى ما بين 15 إلى 20 شاحنة من الحجم الكبير في اليوم الواحد، كما إنه ليس بإمكان كل شاب عُماني قيادة شاحنة "تريلا" دون تدريب، فهذا النوع من الشاحنات يحتاج لسائقين متمرسين، وأكثر خبرة للتعامل مع خصوصية وتعقيدات جبال ظفار، وطول المسافة من النجد إلى سوق الموالح بمسقط.. إلخ، لذلك لن نجد الإقبال الكمي على قرار التعمين، وهذا من أبسط التوقعات قبل اتخاذ القرار.
من هنا كان ينبغي أن يُراعي قرار التعمين هذا الواقع وخصوصياته، ويفهم مسبقًا أنه سيضرب الموسم الزراعي في البلاد، وكذلك سيضرب جهود الأمن الغذائي- ولو مؤقتًا- لكن بخسارة كبيرة على المزارعين، بعد أن تم رفع إنتاجهم الزراعي من مزارع ظفار، فطموحهم هذا الموسم- الذي بدأ حصاده- إنتاج ما يقرب من 27 – 30 ألف طنًا من الخضار سنويًا، وإنتاج الجح (البطيخ) والشمام، وكان إنتاجهما من الموسم الماضي ما يعادل 12 ألف طن، ويتم خلال الموسم الحالي زيادة هذا الإنتاج بصورة كبيرة، ومصدر معلوماتي هنا الجمعية الزراعية العُمانية بمحافظة ظفار.
ومن خلال تلكم الأرقام نسأل: هل يمكن توفير العدد الكبير من الشاحنات بعمالة وطنية بمجرد صدور القرار؟ يبدو واضحًا أن الوزارة لم تنسق مع الجمعية الزراعية قبل اتخاذ القرار، ومن هنا، نطالب بتأجيل تطبيق القرار لتفادي خسارات المزارعين في موسمهم الحالي، والكثير منهم تتعالى صرخاتهم هذه الأيام، خوفًا من الخسارة الكبيرة التي سيكون وراءها مساءلة قضائية بسبب الشيكات وديونهم.
في رسالة نصية اطلعتُ عليها، تساءل أحدهم قائلاً: "ماذا أفعل بمحصولي الذي تحرقه الشمس، ابحثوا لي عن حلٍ"، وهذا التساؤل كان موجهًا لرئيس جمعية المزارعين في ظفار، وهو يُعبر عن مخاوف الخسارة.
وحسب معلوماتنا، فقد خاطبت الجمعية الزراعية بظفار وزارة العمل، لكن الوزارة لم يصدر منها أي موقف حتى الآن، والوقت لا يسير في صالح المزارعين، ولا الموسم الزراعي، وكلي ثقة بأنَّ معالي الأستاذ الدكتور وزير العمل سيتجاوب إيجابًا مع قضية المزارعين.. لكن معاليك، الوقت ليس في صالح المزارعين؛ فالضغط يرتفع عند كل مزارع مع كل إشراقة شمس جديدة، وهم يشاهدون بواكير حصادهم حبيسة صحراء الربع الخالي، في ظل الصمت لمطلب التأجيل أو إيجاد الحل.
معالي الوزير، تعمين هذه المهنة، يحتاج إلى صناعة جيل من الشباب تتوفر له ضمانات الديمومة والنفعية، وهذا هو الأهم، فأهم مقوماتها- أي الصناعة- تدريب جيل من الباحثين على هذا النوع من الشاحنات، ومساعدتهم ماليا في شراء شاحنات باسمهم، وتأسيس لهم جمعية خاصة لتطوير مهنتهم، ومناقشة أوضاعهم، وضمان استقرارهم، أو دمجهم ضمن القطاع اللوجستي في البلاد، أما التعمين لمجرد التعمين دون الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات سالفة الذكر، فله تداعيات خطيرة على مستقبل الأمن الغذائي في حاضره ومستقبله.
لذلك.. كل المزارعين ينتظرون من معالي وزير العمل التدخل العاجل لإنقاذ موسمهم الزراعي قبل أن تتلفه صحراء الربع الخالي المحرقة، وكنت شاهد عيان قبل فترة على إتلافها محصول الجح للكثير من المزارعين مما سبب لهم خسارة موسمية، لكن إرادتهم الصحراوية، وجينات التحدي التي ورثوها عن آبائهم، وآباؤهم عن أجدادهم في سلسلة ممتدة لا نهاية لها .. قد دفعت بهم إلى الاستدانة، من أجل توفير محصول جديد لشهر رمضان المبارك المقبل، ولو تكبدوا خسارة مماثلة- لا قدر الله- سنكون كلنا مسؤولون عن الخسارة التي ستعصف بمصائرهم المالية والاجتماعية، وسيترتب عليها إشكاليات قانونية مع قضايا ديونهم، أتمنى أن أكون قد توفقت في نقل قضية المزارعين العمانيين لمعاليكم رغم إحساسي بأنها تستاهل عمقاً أكبر في الطرح، لكنها ستكون محور متابعاتي اللاحقة بالكلمة والصور، لعلني أؤثر في قرار جديد يؤجل قرار الحظر أو إيجاد بديل عاجل لنقل المنتجات الزراعية النجدية إلى مراكز التسويق في صلالة ومسقط.