طالب المقبالي
نعم بعدما كنَّا نهيئها نفسيًا للعودة هذا العام إلى المدرسة، كما هيأناها سابقاً بأن التعليم عن بعد بسبب وباء كورونا، وبعد جهد جهيد في إقناعها بأنَّ كورونا مرض يفتك بالبشر، وقد صورناه لها في هيئة حشرة تدخل في جسم الإنسان فتقضي عليه.
ومع الإعلان عن بدء العام الدراسي الجديد بالحضور المُباشر للطلاب كان لزاماً علينا أن نبذل أيضاً جهداً مُضاعفاً بأن الدراسة ستكون في المدرسة، وأن الحشرة القاتلة قد قضي عليها، ولم يتبقَ منها سوى القليل مما يتطلب منِّا لبس الكمامة وغسل اليدين حتى لا تكون مُختبئة في مكان ما من المدرسة.
فبعد هذه المعاناة تفاجئنا المدرسة بأنَّ سندس- التي تُعاني من "متلازمة داون"- ليس لها مكان في المدرسة هذا العام، فقد أنهت كل المُقرر لها وهو الصف التاسع فكري. فعند هذا الحد يتوقف قطار التعليم عن هذه الفئة من ذوي الإعاقة الفكرية "متلازمة داون"، وكأن لسان حال وزارة التربية والتعليم تقول لنا خذوا ابنتكم واتركوها في البيت تأكل وتشرب إلى أن يأخذ الله أمانته.
سندس ما هي إلا واحدة من أطفال "متلازمة داون" الذين فصلوا من الدراسة ولم يهيئ لهم مستقبل للتعليم المهني، كما هو معمول به في معظم دول العالم التي تقدر قدرات هذه الفئة المهنية والفكرية.
وقد كتبت مقالاً سابقًا في عام 2017 عن مصير هذه الفئة بعنوان "متلازمة داون والمستقبل المجهول"، تطرقتُ فيه إلى الاهتمام الذي يلقاه الشخص المُعاق في بلادنا من رعاية واهتمام، ولكن ليس بالشكل المرضي الذي ينبغي أن تحظى به هذه الشريحة من المجتمع.
وقد ركزت في مقالي على فئة متلازمة داون التي تلقى الرعاية منذ الولادة وحتى تنهي الصف التاسع فكري، بعد ذلك يترك ولي الأمر في وضع لا يُحسد عليه، في حين تجد هذه الفئة رعاية منقطعة النظير في الخارج.
فكما ذكرت في مقالي المشار إليه، أنه لا توجد رؤية واضحة واستراتيجية محددة للمصابين بمتلازمة داون في السلطنة كالتدريب والتأهيل لهذه الفئة من قبل الجهات المعنية، أو إلحاقهم بمعاهد خاصة، أو مراكز التدريب المهني، أو احتوائهم في مؤسسات ووحدات إنتاجية وتشغيلية مع توفير الحماية الشخصية لهم؛ كي لا يكونوا عرضة للاستغلال بشتى أنواعه.
وللمُقارنة، فقد استشهدت في مقالي بعدد من الناجحين مثل الشاب الكويتي مشعل جاسم الرشيد البدر المصاب بـ"متلازمة داون" الذي استطاع هزيمة إعاقته والتحول إلى أسطورة في رياضات السباحة والغوص والجري ورمي الجلة، حتى إنه استطاع حصد 11 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية بأولمبياد المُعاقين، كما أنه أصبح يقرض الشعر ويكتب في الأدب.
كذلك المعلمة "هبة الشرفا" الفتاة الفلسطينية المصابة بمتلازمة داون، وتعمل معلمة بجمعية الحق في الحياة، التي تُعنى برعاية وتأهيل مصابي متلازمة داون في قطاع غزة؛ لتكون أول مصابة تحمل هذا الوسام الجميل لقيادة تلاميذها نحو المستقبل.
وهناك نماذج أخرى للناجحين والمشاهير من المصابين بمتلازمة داون من أمثال ستيفان جينسز Stephane Ginnsz أول شخص مصاب بمتلازمة داون يأخذ دور النجومية في فيلم سينمائي.
وكذلك كريس بيرك Chris Burke الموهوب الذي لم يكتفِ بالتمثيل؛ بل امتدت إنجازاته إلى أبعد من ذلك، فقد أصبح ممثلا وكاتب سير ذاتية، فكتابه "بطل من نوع خاص" A Special Kind of Hero كان من أكثر كتب نيويورك تايمز مبيعًا.
وكذلك الفتاة الأسكتلندية باولا سيج Paula Sage لاعبة رياضة الشبكة الأولمبية، والممثلة، ومقدمة البرامج، ولم تكتف باولا بذلك، بل قررت أن تصبح نصيرة ومُدافعة عن حقوق أطفال الداون.
هذه النماذج التي استشهدتُ بها في مقالي تؤكد أنَّ هذه الفئة قادرة على العطاء والإنجاز، ومن الظلم أن تتقوقع بين أربعة جدران في المنزل وهي قادرة على قهر الإعاقة لو تيسر لها ذلك في السلطنة، فالتفوق والنبوغ ليس حكراً على الأصحاء، فهذه النماذج من الأدباء والمهندسين والمعلمين والفنانين والرياضيين وغيرهم من متلازمة داون قد أثبتوا وجودهم بفضل تلك المؤسسات التي احتضنتهم ودربتهم وهيأتهم كل حسب قدراته.
وللمعلومة فإنَّ سندس تجيد التعامل مع الحاسوب والأجهزة اللوحية والرسم وتحميل البرامج ومقاطع الفيديو التي تُريد مشاهدتها مع وجود الرقابة الأبوية.
وقد سبقت سندس زميلتها وجدان التي فصلت من المدرسة وقطع معاشها من الضمان، فكانت الصدمة صدمتين على والديها، وقد خصصت لها مقالاً في عام 2018 بعنوان "فُصِلَت من المدرسة وقُطِعَ الضمان الاجتماعي"، وقد تفاعلت مع المقال إذاعة "هلا إف إم" والعديد من القراء عدا وزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية آنذاك! فهل نجد هذه المرة تفاعلاً من الوزارتين لإيجاد حلول لهذه الفئة من ذوي الإعاقة؟