"كورونا" فرّقنا.. و"شاهين" جمّعنا

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

بداية استئذن صاحب عبارة "فرقنا كورونا وجمعنا شاهين" بعد أن سمعتها في إحدى التغطيات الإذاعية لأحداث إعصار شاهين لأضعها عنوانا لهذا المقال.. نعم فقد فرقنا فيروس كورونا وأبعدنا إجباريا واحترازيا عن أحبتنا وأهلنا وإخواننا، بينما جمعنا شاهين على حب عمان وتضافر الجهود في الملحمة الشعبية الآسرة للعين التي سطرتها أيادي أبناء عمان.

ورغم تداول العديد من المقاطع المرئية والصور عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عن الأضرار التي خلفها الإعصار شاهين- لا سيما في المناطق المتضررة بشمال الباطنة- إلا أن الرؤية بالعين المجردة واستطلاع المكان عن قرب يوضح أن الأمر أكبر مما تداولته الصور وأن حجم الأضرار أكثر من مما يتخيله العقل وأن الكارثة لا تشرحها أفلام هوليود ولا يمكن أن تكتبها المقالات وتدونها الروايات فالحدث جلل والمصيبة وقتها فاقت التوقعات ولكن في المقابل كانت رحمة الله فوق كل اعتبار وكانت إرادة قاطني المناطق المتضررة لا يفلها الحديد ولا يعجزها شاهين.

أحدثكم عن تجربتي الشخصية عند ذهابي لأكون قرب إخواني بشمال الباطنة وهذا واجب وطني تهفو له الأنفس وتشتاق له الروح ولا يحتاج لدعوة أو تفكير فالتضامن والتعاضد والتكاتف من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا العمانية الأصيلة. انطلقت يوم الجمعة الموافق 8 أكتوبر هذا اليوم الذي أقترح تسميته "يوم التطوع العماني"؛ حيث برهن الشباب العماني أن الوطن فوق كل اعتبار وأن عمان تحمل على أرضها قلوبا نظيفة ونفوسا عزيزة وهمما كالجبال فقد ضرب الشعب العماني أروع الأمثلة والدروس.

انطلقت متجهًا مع مجموعة من الصحبة الأخيار حاملين بعض المؤن الغذائية الجاهزة للأكل فقد علمنا قبل وصولنا أنه لا حاجة لأغراض تطبخ والأكل الجاهز أفضل وأكثر فائدة وقتها وصلنا الموقع وحقيقية ذهلت مما رأيت من حجم الدمار والخراب مما خلفه الإعصار شاهين بيوت منها ما تهدم وغيرها غارق في الطين وسيارات مطمورة وحيوانات نافقة وشوارع عبث فيها شاهين كيف ما شاء وأراد ناهيك عن البنية الأساسية المحطمة التي طالها الإعصار شاهين بكل جبروته وعاث فيها تخريبا ... ولكن الأهم هي الأرواح فالأرض تعوض والمسكن يبدل بما فيه والممتلكات تغير فقط الروح وحدها لا تعود والحمد لله الذي لطف بعباده وحفظهم من شر الإعصار... وارحم اللهم من قَضَى نَحْبَهُ وصبر أهله على فراقه.

ما رأيتُ من تلاحم شعبي وطني يدرس عبر الأجيال ويسجل في التاريخ ويضرب به الأمثلة حقيقية شيء يثلج الصدر ويبهجه فقد رأى العالم أجمع كيف هو العماني عونا لأخيه حين اجتمع أكثر من عشرة آلاف متطوع شباب وشيابا نساء وأطفالا جاءوا من كل أصقاع عمان متكاتفين جنبا إلى جنب لكي يعينوا إخوانهم في محنتهم وهذا هو دأب العماني وما تربى عليه من جميل الصفات ومكارم الشيم ..... والجمعيات الخيرية من كافة ربوع عمان لم تقصر وقامت بدورها على أكمل وجه من خلال ما تم إرساله من شاحنات تتضمن كافة الاحتياجات الأساسية.

الصورة كانت واضحة وضوح الشمس رغم ما بها من خطوط حزينة وتعابير مأساوية جراء الإعصار فقط ما نرجوه هو تنسيق  تسليم المساعدات الواردة من قبل الجهات الخيرية تعرف من تعطي ولمن تمنح والحال نفسه ينطبق على التبرعات الكبيرة التي تنهال من هنا وهناك من أهل الخير والعطاء للمتضررين أن تسلم بإنصاف وإعطاء لكل متضرر حقه وأكثر فهي ما وجدت إلا لهم وما حصلت إلا لأجلهم وأن تعم التبرعات والمساعدات كل المناطق المتضررة سواء المتاخمة للبحر أو القريبة من الجبل وياحبذا لو تكون هناك آلية عمل واضحة بين الجهات المعنية بالتوزيع  كاللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة ووزارة التنمية، من خلال تحديد  التعويضات التي ستعطي للأسر المتضررة  سواء المادية أو العينية والتعاون مع مكتب الوالي من خلال اللجان المحلية من سكان المناطق المتضررة لتقوم بمسح المناطق كافة لتحديد من تم الوصول إليه من عدمه لتقديم المساعدات العاجلة والتعويضات اللازمة لهم بناء على حجم الضرر فأهل مكة أدرى بشعابها.

وأرجو كذلك مراعاة وتقدير ظروف المتضررين من العاملين في كافة القطاعات العسكرية منها والحكومية والقطاع الخاص على وجه التحديد، وعدم إلزامهم بالحضور، فأحوالهم بل ونفسياتهم ليست على ما يرام مما صار وجرى، وكذلك بالنسبة للطلبة، فالوضع استثنائي ويجب تقديره أقله إلى حين .

عمان عظيمة بشعبها، هو لها كنز وعطاء لا ينضب، ونبراس مضيء.. دمت يا عمان ودام شعبك، شعب الخير والجود.