رائحة المطر و"شاهين"!

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

 

رأيته في عيون الأطفال وفي عيون الأمهات وهناك في عين جدي وأعين المارة في الطرقات وجيراننا، مضى والخوف يدس شيئًا من رمقه في قلوبنا، نترقب موعد وصوله ودعواتنا أن لا يمر وأن يغير مساره.. مضت ساعات الصباح الأولى بدون أي قطرة مطر ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، فزائرتي بها حياء وقررت أن تزورنا في المساء حتى تباغتنا ونحن على غفلة من أمرنا.

اسم "شاهين" لم يُطلق عبثاً فهو تارة هنا وتارة هناك، وبعد أن كان المتوقع مختلفا تغير المسار بحذر، فوقعت الواقعة وبدأت الأمطار في التساقط بغزارة ساعة تلو ساعة إلى أن دفعت الأودية والشعاب من كل حدب وصوب فلم نشعر إلا أننا في وسط  المياه وهي تحاصرنا من كل جانب، لا مفر للخروج الآن يجب الصعود إلى السطح  بانتظار المسعفين. ماذا حدث الآن؟ انطفأت الكهرباء ولا توجد شبكة بالهاتف، توقف كل شيء! ماذا يحدث؟ أدركنا حينها أنه من قوة الإعصار الذي مرَّ فانطفأت الكهرباء وتعطلت الشبكة، وماذا بعد؟ لقد كان مشهدا أليمًا وموجعًا أن ترى منزلك يسقط أمامك وممتلكاتك تذهب أدراج الرياح وتتلاشى أمام ناظريك، والأصعب أن تبقى متبلدًا لا تستطيع المجازفة بحياتك لإنقاذ ممتلكاتك وتعب أيامك وسنينك.. قدر الله وما شاء فعل.

الحياة هكذا يوم لك ويوم عليك، ويجب علينا أن نرضى بقضاء الله وقدره، رغم أن الخسائر كانت كبيرة، فما أكبر أن يخسر الإنسان سكنه وكل ممتلكاته؟! لا أعلم ماذا يخبئ لنا الزمن إن كانت الأمطار هطلت لساعات متواصلة خسرنا كل هذه الخسائر، فما بالكم لو تساقطت الأمطار لأيام متواصلة أين سنكون؟ هو أمر يجب علينا التفكر فيه، يجب على الجهات المعنية توفير بنية تحتية متكاملة وشوارع وسدود وممرات ومبانٍ لتغطي حاجة المواطنين في مثل هذه الظروف الاستثنائية، خصوصاً وأن سلطنة عمان باتت معرضة للأعاصير منذ إعصار جونو في 2007، إلى شاهين 2021، ونحن نستقبل أعاصير مختلفة النوع والكم. لكن إن نظرنا إلى العالم المتقدم سنجد أن هناك شوارع بُنيت لتواكب هكذا ظروف؛ لذا وجب أن تُبنى مبانٍ تتحمل قوة الأعاصير وشوارع أخرى وفق معايير متقدمة للغاية.

عُمان سلطنة الحب والسلام بلد الحضارة واللبان ورائحة ورد الجبل الأخضر وخريف ظفار، وسوق البداية بالخابورة، سوق سابع؛ هكذا نطلق عليه ذكريات الماضي وعبق الحاضر، الثرمد وودام الساحل والمصنعة وسويق الخير، أما صحم الجميلة ديل آل بريك وأُم الجعاريف الصحمي والردة، لا نريد أن نرى الحزن ومناظر أخرى فيها؛ بل السرور والفرح وعودة الحياة إلى ما كانت عليه وأفضل؛ لنتنفس عبق الحياة والشوارع المحطمة.. لا نريد رؤيتها محطمة ستعود الصورة أجمل والمناظر أجمل والحنين للماضي القريب، فجدي يريد أن يعبر الشارع ليصل إلى منزل الجيران، وأمي تحتاج أن تطرز فستانًا من تصميمها، لكن كيف ذلك والخياط أغلق أبوابه لأن المياه غمرت كل ما به، ودكان (أبو لحية) لم يعد موجودًا، فقد تحطم بسبب الوادي الذي جرف كل شيء!  

"شاهين".. هل تطير الطيور دائمًا عكس التيار مثلك؟ هل تقتل ما يعترض طريقها ولا تبقي له أثرا؟ "شاهين".. أخذت من عمرنا أيامًا وما زلنا نحاول تصليح ما فقدنا، الأرواح والممتلكات كل على حدة، آهٍ يا شاهين بكيتُ عندما رأيت تلك المرأة تتمتم بكلمات وأدعية لمولانا السلطان هيثم وسلطاننا الراحل قابوس، وتدعو لهم بكل خير، فرحمة الله على مولانا السلطان قابوس- طيب الله ثراه- ونسأل الله أن يبارك في عمر مولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم.

كلمة شكر لكل رجال عمان البواسل ولكافة الجهود الجبارة المبذولة وكل فرد ساهم في المساعدة والتخفيف من خسائر المواطنين والمقيمين من شركات عملاقة وفرق خيرية وجمعيات أهلية وأفراد ومؤسسات كل على حدة، شكرا لكم جميعاً لما تبذلوه لتعود الحياة إلى طبيعتها، ولنُقصي شاهين من هذه الأرض الطيبة، لنبقى كما كنا بحب وبتكاتف وبهمة الشعب المخلص لهذه الأرض الطيبة صغيرا وكبيرا.

ومن هذا المنبر أوجه كلمة شكر كبيرة لشرطة عُمان السلطانية وللجيش السلطاني العماني ولكافة أجهزة الدولة العسكرية والمدنية ولمعالي وزيرة التنمية الاجتماعية  لما يبذلونه في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد يدًا بيد لخدمة هذا الوطن ومساعدة الأسر المتضررة ولنكمل مسيرة العطاء سويًا.