علي بن بدر البوسعيدي
على مدى سنوات العمر يُقابل كل فرد منِّا الكثير من البشر، بين صديق وزميل ونسيب وقريب، وغيرهم، نتأثر بهم ونؤثر فيهم بطريقة أو أخرى، نستفيد منهم ونأخذ من أفواههم العبر والحكم، لكن هناك بعض الأشخاص أو لنقل الأعلام، لا يتكررون في حياتنا، نعرفهم ونعايشهم وننهل من علومهم ونتعلم من أعمالهم وإنجازاتهم، هؤلاء كجوهرة مكنونة في أعماق البحر، ما إن نعثر عليها نظل محتفظين بها، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
وقبل أيام معدودات، فقدت عُمان رجلًا نابغًا وعلمًا من أعلامها، هو نخلة عمانية سامقة جادت بالخير الكثير على كل عُمان، وامتد خيرها ليشمل أنحاءً أخرى، ودولًا في محيطنا العربي.. إنه الشيخ سعود بن علي الخليلي، رجل العلم والعمل، أول وزير للمعارف التي نسميها الآن وزارة التربية والتعليم، وكان أول سفير للسلطنة لدى جمهورية مصر العربية الشقيقة، فضلاً عن كونه أحد أبرز الشخصيات العامة في مُجتمعنا منذ ستينيات القرن الماضي، منذ عهد السلطان الراحل سعيد بن تيمور. وقد لازم الرجل السلطان الراحل قابوس بن سعيد أيضًا في بداية سنوات النهضة المباركة، وقدم خدمات جليلة لعُمان وأهلها، وساهم في نشر العلم والمعرفة وبناء المدارس ومؤسسات التعليم.
الشيخ سعود الخليلي قابلته شخصيًا مرات عدة، وكنتُ عندما أزوره في مكتبه أجد في كل مرة نفس الود والاحترام والتقدير الذي يبديه لكل زائريه، كنتُ أحرصُ على لقائه بين الفينة والأخرى، وكان عندما يلتقيني ويستقبلني بترحاب شديد وود رائع، يسألني بحرص عن أمور عدة للاطمئنان، وكنتُ أشعرُ باندهاش كبير لذاكرته القوية، فقد كان يحدثني عادة عن مواقف جمعته بالوالد- رحمهما الله-. ومما علمته جيدًا من حكايات أبي ومن لقاءاتي الشخصية مع الشيخ الراحل، أنه اشتهر بالحكمة والكرم وقدرته على الصلح بين المتخاصمين، وغيرها من الصفات الحميدة التي تحلى بها الرجل.
الجميل في شخصية الشيخ الخليلي أنه حرص على توثيق ما شاهده من أحداث وما عايشه من مواقف بالقرب من سلاطين عُمان بصفته مسؤولا سابقًا في الحكومة؛ حيث ألّف الراحل كتاب "كلمة.. صفحات من تاريخ عُمان"، والذي وثق فيه العديد من الأحداث، وعبر عن رؤيته لمواقف عايشها، كان فيها شاهدًا على العصر سواء في المرحلة التي سبقت بزوغ فجر النهضة أو العقود الأولى من مسيرة النهضة الحديثة.
رحم الله الشيخ سعود بن علي الخليلي..