طالب المقبالي
الحالة المدارية "شاهين" بقدر ما تسببت في كوارث، فإنها عبرة ونعمة من نعم الله تعالى؛ لتنبهنا إلى أمور مُهمة في حياتنا.
الباطنة كانت آمنة من الأعاصير والفيضانات، ولذلك تهاونا في كثير من الأمور، من أهمها التخطيط العشوائي للأراضي والاستيلاء على ممرات ومسارات الأودية، وتحويلها إلى أراضٍ سكنية وزراعية وصناعية وغيرها من الاستعمالات، متناسين أنها مسارات ومجارٍ للأودية، ولأنه لم تحدث في السنوات الماضية أعاصير وأنواء مناخية بسيول جارفة حتى يدرك الناس ضرورة إنشاء مسارات وقنوات لتصريف مياه الأمطار والأودية القادمة من رؤوس الجبال فقد وقع التَّهاون في هذا الجانب.
فالملاحظ اختفاء مسارات الأودية في ولايات ساحل الباطنة بسبب التمدد العمراني، فيما نجد هذه المسارات مُحافظ عليها في المناطق الجبلية، وتختفي عند سهل الباطنة، مما يسبب كوارث عند هطول الأمطار وجريان الأودية، فالأودية القادمة من الجبال تبحث عن مسار لها إلى البحر.
كذلك طريق الباطنة السابق يخلو من عبارات كبيرة لتصريف مياه الأودية مما يحبس المياه عن المرور فتتكون البحيرات والبرك حول المنازل، لكنها تتلاشى سريعاً لأن الأمطار التي كانت تهطل ليست كالأمطار التي تهطل في الأعاصير والعواصف والمنخفضات العميقة والمنخفضات، حيث إن الأمطار التي تهطل في مثل هذه الأنواء أضعاف أضعاف الأمطار التي عهدها سكان سهل الباطنة، أما في المناطق الجبلية فالأودية لها مسارات معروفة ولا يُمكن تخطيطها والبناء عليها، وإلا وقعت كوارث مماثلة لما وقع في إعصار شاهين.
بعد إعصار جونو والدمار الذي أحدثه في الطرقات والبنية التحتية كشف هشاشة التخطيط وعدم الوضع في الحسبان أن تتدمر البلاد بذلك القدر، مما حدا بالحكومة الرشيدة آنذاك إلى إعادة بناء الجسور ومعابر للمياه في الطرقات، وجاء تخطيط الباطنة السريع، وطريق الشرقية السريع وفق تلك الظروف، ولذلك لم تتأثر هذه الطرق بهذه الأنواء.
فإذا ما أردنا السلامة من الفيضانات؛ فالواجب علينا أولاً شق قنوات واسعة بدءا من طريق الباطنة السريع وصولاً إلى البحر لمرور الأودية القادمة من رؤوس الجبال، وسحب الأراضي والمنازل الواقعة على هذا المسار من المواطنين وتعويضهم عن ممتلكاتهم، كذلك عمل فتحات كبيرة لتصريف مياه الأمطار على الطرقات وتوصيلها عبر قنوات إلى القنوات الكبيرة التي سبق ذكرها لمرور الأودية.
كما أود أن أوضح نقطة مهمة للمنتقدين بأن ما حدث هو إعصار، ومن الطبيعي أن الأعاصير لا ترحم، وأنها تحدث أضرارا في البلدان التي تحدث فيها الأعاصير تفوق هذه الأضرار التي شهدتها بلادنا، فالأمطار التي تسببها الأعاصير تفوق عشرات المرات الأمطار العادية.
ولهذا يجب ألا نجزع مما حدث وأن نصبر ونفوض أمرنا إلى الله، وقد بشر الله الصابرين بقوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)" صدق الله العظيم.
فعلينا بالصبر، وعلينا بأخذ الحيطة والحذر مُستقبلاً، وأنا على يقين تام بأنَّ حكومتنا الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- ستولي هذا الجانب جُل اهتمامها، وستدرس الأسباب التي أدت إلى هذه الكوارث الكبيرة، وسوف تعالجها بالطرق التي ستراها مناسبة.