طالب المقبالي
يُؤلمُني من يُغردون ويكيلون التَّهم للحكومة بالتقصير، وعدم توفير الوظائف، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، صحيحٌ هذه مطالب وهناك سعي حثيث من قبل الحكومة لحل هذه القضايا بالتدريج، وهناك آلاف من فرص العمل أُعلن عنها، وهناك باحثون عن عمل وجدوا فرص عمل، وهناك حلول لارتفاع أسعار الكهرباء قد أعلن عنها، وبدأنا نلمس نتائجها، أما قضية الوقود فقد يُعاد النَّظرُ فيها مستقبلًا.
لكن ثمة جوانب مهمة يتغافل البعض عنها ويغمض عينيه عنها؛ ألا وهي أمن واستقرار البلاد حيث تسعى الحكومة لجعل هذا البلد آمنا مطمئناً، ويسخر البعض من قول الحمد لله على نعمة الأمن والأمان. فلو جرب المستهزئون أن يعيشوا هم في قارة وآباؤهم في قارة أخرى، وإخوانهم وأخواتهم في قارة، وقد لا يلتقون إلى الأبد، لما استهزأ أحدهم بالأمن والأمان. ولو أنَّ أحد المستهزئين شردت أسرته وتعرضت أمه وأخته وابنته للاعتداءات أمام عينيه وهو لا يستطيع أن يُحرك ساكناً؛ لعرف قيمة الأمن والأمان. لو عاش أحد المستهزئين في ملجأ من الملاجئ في جماعات يختلط فيه الحابل بالنابل، ويُرمى لهم الطعام بالطائرات ليتسابق عليه اللاجئون الفارون من أوطانهم بسبب الحروب والقمع، فمنهم من يحصل على عشائه ومنهم من يقضي ليلته دون عشاء؛ لعرف قيمة الأمن والأمان.
النعمة الثانية هي نعمة المستشفيات الحكومية والعلاج المجاني، وأنا أغادر المستشفى السلطاني وقبله بأيام مستشفى خولة وقبله بيومين مستشفى السلطان قابوس بصلالة؛ إثر حادثة السقوط التي تَعرَّضت لها قبيل مغادرة صلالة ببضع دقائق والتي تسببت في عدة كسور في جسمي، كنت أناقش أحد الأهل عن المعاملة السيئة التي قد يلقاها المريض في دول أخرى، وقد سقنا مثالاً بإحدى الدول العربية.
فعند باب المستشفى ترشي البواب، ثم ترشي عامل النَّظافة حتى تصل إلى العامل الذي سيُوصلك للطبيب، ثم أحد العاملين عند غرفة الطبيب، ثم الطبيب نفسه تعطيه حفنة من المال وإلا لن تجد الرعاية الصحية، وفي الداخل كل فحص بثمن، ومع هذه المعاناة التي يُعانيها المواطن العربي في بعض البلدان العربية، أستذكرُ ذلك الكم الهائل من الفحوصات والأشعات المقطعية والعادية، وفحوصات الدم المتنوعة التي أجريت لي بالمجان وهي تساوي مئات الريالات وتمثلت في أشعة مقطعية في مستشفى السلطان قابوس بصلالة تصل قيمتها إلى 176 ريالًا، ثم أشعة عادية تتراوح قيمتها بين 30 إلى 50 ريالًا، ثم أشعة أخرى في اليوم التالي لمُتابعة تطور الحالة الصحية، وما تبع ذلك من مُتابعة طاقم طبي يصل إلى خمسة أشخاص تقدر تكلفته بمئات الريالات.
ثم متابعة العلاج في مستشفى خولة، وأخذ أشعة مقطعية جديدة، ثم أشعة تلفزيونية مرتين لا أدري كم تكلفتها في المستشفيات الخاصة، ثم أشعات أخرى لمُتابعة تطورات حالتي الصحية، ومتابعة حالتي أثناء التنويم من طاقم متخصص من سبعة أشخاص، أربعة رجال وثلاث نساء، ثم اكتشاف مشاكل صحية أخرى نتيجة الحادث استدعت تحويلي إلى المستشفى السلطاني.
وهناك أجد نفس الرعاية ونفس الاهتمام، أشعات وفحوصات دم يومية وغيرها، فمجمل الأيام التي نُومت فيها في المستشفيات الثلاثة ثمانية أيام والعلاج مجاني، فحوصات مجانية، وأدوية مجانية، وتغذية مجانية، ثلاث وجبات رئيسية، ووجبتين خفيفتين بين الوجبات لي ولمُرافقي بالمجان، فأيُّ نعمة نحن فيها وغير مدركين لأهميتها؟
على سبيل المثال تعرض لدينا طفل رضيع لوعكة صحية فنقلناه إلى مستشفى خاص مشهور في مسقط وكلف العلاج 25 ريالًا مُقابل إعطائه مسكن وخافض للحرارة قيمته في الصيدلية لا تتجاوز الريال الواحد!
وفوق هذا، فهناك سفر للخارج لعلاج الأمراض المستعصية التي يتعذر علاجها في السلطنة، وتتحمل تكلفتها الحكومة مع المرافقين للمريض، والتي تستدعي أحيانًا المراجعة أكثر من مرة، وتكلف عشرات الآلاف من الريالات.
فالحمد لله على هذه النعمة التي نحن فيها، ولم ندرك أهميتها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.