فرق التطوع في ريف ظفار

 

د. عبدالله باحجاج

يكاد يكون في كل نيابة من نيابات الشريط الريفي من ضلكوت إلى مرباط فريق للتطوع، ويقدر البعض عددها بـ15 فريقاً، وهي نتاج الحاجة المحلية الملحة، تحتمها طبيعة التحديات التي يواجهها هذا الشريط الذي يوصف بالماطر، وفي حالات كثيرة، تأخر المؤسسات الحكومية والخاصة في مواجهة تحدياته، مثل نبتة البارثينوم التي انتشرت بصورة مخيفة، ولها تأثيرات على الإنسان والحيوان وعلى التنوع البيولوجي، ولم ينبه بخطرها- وفق المصدر- سوى الناشط البيئي على سالم عكعاك، ومبادرة عكعاك نموذج يُدلل على أهمية العمل التطوعي، ليس من منظور الفردانية أو حتى العمل الجماعي، وإنما العمل المؤسسي المؤطر.

اقتربتُ قليلًا من تجربة فرق التطوع على الشريط الأخضر، ووجدتُ أن انطلاقتها، كانت من التفاعل مع محيطها البيئي، فكلما اشتكت بيئتها من أية عوارض، يستنهض لها مكونها الديموغرافي بالمال والجهد، وكم هبات اجتماعية انطلقت انتصاراً للبيئة، كالقضاء على شجرة المسكيت، والمحافظة على المسطحات الخضراء في الريف، واجتثاث نبتة البارثنيوم.. إلخ، لكن هذه التجربة، لم تعد محصورة في سياق ردة الفعل مع البيئة، وإنما هي الآن في طور صناعة الفعل الشامل بيئيًا واجتماعيًا.

لمستُ هذا التطور من خلال إطلاعي على أهداف فريق "نيابة قيرون حيرتي التطوعي" بحيث يمكن حصرها أبرزها، في الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية، وصون المراعي، وحماية المسطحات الخضراء، وزراعة وغرس الأشجار البرية والمحلية، صيانة العيون المائية والكهوف، وتقديم العون الاجتماعي في الأنواء المناخية وإقامة الندوات التوعوية لتعزيز القيم الاجتماعية.

وتلكم أهداف واقعية، وقد تحددت من صلب حاجة المجتمع المحلي، وهي تدخل في جوهر العمل التطوعي، إذا ما أردنا ضمانة النجاح التكاملي مع جهود المؤسسات الحكومية والخاصة، وشغل حالات الفراغ المؤسساتي التي قد تنجم عن البيروقراطية أو كبر مساحة بلادنا، وخصوصيتها النادرة؛ فالجهات الحكومية ليس بمقدورها لوحدها القيام بكل شيء، لا قديمًا في ظل دور الحكومة الاجتماعي الواسع، أو الآن وهي تنتقل بسرعة فائقة إلى دولة الضرائب.

فلو أخذنا نماذج للاستدلال بها، فمثلًا، العيون المائية في ظفار، هناك 360 عينًا، وبالتالي، فإنَّ الجهات الحكومية تحتاج للتعاون مع الفرق المحلية، ولا يمكن أن تستغني عن أدوارها. ومثال آخر، الظواهر الغريبة التي أصبحت تغزو المجتمعات، فنجاعة التصدي لها يكون بالشراكة مع الفاعلين المتطوعين داخل كل مجتمع محلي، وهنا نرى في أهداف فريق نيابة قيرون حيرتي، استشرافًا نافذًا لطبيعة الشراكة المفترضة بين الجانبين في مرحلة الدولة الجديدة، وربما هو هاجس كل الفرق التطوعية الآن.

هذا التطور في دور الفرق التطوعية طبيعي؛ بل وحتمي؛ لأنَّ التطوع أصبح نشاطًا إنسانيًا ووطنيًا داخل المجتمعات عامة والمحلية خاصة، وسيتعاظم مع بروز إشكاليات الانتقال للضرائب ورفع الدعم عن المجتمعات، وما توفير نصف مليون ريال عُماني في أقل من أسبوعين لفك كربة اثنين من أبناء ظفار، سوى أحد المؤشرات على الفعالية المجتمعية. صحيح هي تُعبِّر عن الحملة الاجتماعية في ظفار، وتعكس روابط التضامن والتعاضد المجتمعي، لكن لا يمكن عزلها عن سياقات الفعالية الاجتماعية الجديدة في عصر الضرائب.

من هنا، تظهر فرق التطوع بمثابة العلامة الفارقة التي تدلل على مسار الإيجابية للوعي في المجتمعات المحلية، وهو وعي متجرد من الأنا، وعابر لملامسة حاجات المجتمعات المحلية/ النيابات، وجامع للتعدد والتنوع لمكونه الديموغرافي، وهذه رسالة هامة، وقد جاءت في توقيتها المناسب، وهى تعني أن الفاعلين المحليين قد أصبحوا مُؤهلين لقيادة القطاع المدني بكل مسؤولية مجتمعية ووطنية، ووعي كبير يحصن المسيرة التفاعلية والتشاركية في مرحلة الانكفاء الحكومي على الصعيد الاجتماعي.

وهذا الانكفاء، لن يعوض فراغاته المجتمعية، سوى الثلاثية القطاعية للدولة، والتي تنص عليها رؤية "عُمان 2040"، وهي ممثلة في القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية، وتكامل أدوارها، فمتى ستنتقل الفرق التطوعية من الشرعية الواقعية إلى الشرعية القانونية؟ هي الآن تبحث عن المظلة القانونية، وتصطدم ببيروقراطية، وعدم وضوح رسالة التطوع ومفاهيمه عند المؤسسات الحكومية المختصة، فهي لا تزال في مفاهيمها القديمة التي لا تستوعب تطور التطوع، والحاجة الوطنية الراهنة لمأسسته؛ أي التطوع.

لذلك، لن نستغرب ما تعانيه جهود الانتقال إلى الإطار المؤسسي من بيروقراطية أو حتى مواقف الرفض، ونرى أن الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تدعم هذا المسار، هو مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار بعد تطوير نظام المُحافظات، ومنح صلاحيات- لا مركزية- واسعة لكل مُحافظة، فهو الذي ينبغي أن يأخذ زمام إدارة هذا الملف، لأنه يدخل في صلب صلاحياته الإقليمية الجديدة، رغم ما قد يتداخل معها الآن من تضارب السلط أو تداخلها، فتنظيم التطوع في إطار مؤسسي يُعد من بين الوسائل الكفيلة بنهوض المُجتمعات، وصهر جهودها التطوعية- تنظيمًا وتأطيرًا- في أعمال تنموية وتوعوية.

وإذا كانت هذه القضية لم تطرح نفسها بإلحاح قبل التحول نحو عصر الجبايات، فهي الآن حتمية بعد انكفاء الدور الاجتماعي للحكومة من جهة، وتدعيمًا لأدوار المؤسسات الحكومية داخل المجتمعات المحلية- موضوع مقالنا- من جهة ثانية، مع تسليمنا بأنَّ التحولات الاستراتيجية في دور الدولة تستوجب إطلاق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة بما فيها الجمعيات وفق تشريعات وقوانين محكمة ورقابة خاصة متخصصة، وذلك تفعيلًا لما تنص عليه رؤية "عُمان 2040".