"قِسم شؤون القرود"..!

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

المشهد 1

أنت قِردٌ فريد، مُهذَّب ومهندَم.. ابتعَدَ القِرد عن المرآة التي تعكسُ صورته، قردٌ يحمل حقيبةً عملية ويرتدي سترة ومعطفًا، تفحَّص القردُ ربطةَ عنقه المقلمة، متحركًا قليلًا إلى اليسار.. ارتفعَ ذيله، واتَّسعَت ابتسامته العريضة، وأكمل طريقه إلى محطَّة الباص، فعليه أن يُسرع كي لا يتأخَّر عن عمله.

تأمَّل القردُ -أثناء جلوسه- المارةَ: امرأة تجرُّ عربةً بها رضيع، وذيلُها متَّجِهٌ للأعلى، وينتهي بشريط أزرق اللون.. لقد كانت قردةً أنيقة، بانت عليها أمارات التَّرف. جلستْ قردةٌ بجوار القرد، رفعت يدها تنظر إلى الساعة، ثم قالت: "أخشى أن أتأخر عن عملي"، ابتسمَ القردُ وهزَّ رأسه مُؤيِّداً، ثم أردف: "إن مواعيدهم دقيقة".

أخرجتْ القِردة طلاءً أزرق، وبدأت بصبغ أظافرها، اتَّسعت ابتسامة القرد، وقال: "أنتِ مُوظَّفة مُجِدَّة، وتبذلين مجهوداً، أحسنتِ". أجابتْ بفرح: "بالطبع، فأنا لستُ من بني البشر".

أردف القرد مُؤكداً: "لا، نحن لسنا البشر، فكثير منهم كسالى، ألا ترين أنَّهم اختفوا من الأرض، لقد بدأتْ أعدادُهم تتقلَّص منذ ثلاثة قرون، آنَ الأوان للقِرَدَة أنْ يُمسِكوا زمامَ أُمورهم وشؤونهم".

نَفَثَت القِردة بعضَ الهواء على طلاء أظافرها، لتُساعِد في جفافه سريعًا، وهزَّت رأسها باستخفاف: "حقًا، البشر لا يفقهون فنَّ الإدارة، وغير قادرين على تدبير أمورهم". وصلتْ الحافلة، وتدافعت جموع القِرَدَة للحاق بالباص.

المشهد 2

- التالي...

- احترم الصف!!

- التالي...

وَقَف القردُ، ووضع بطاقتَه الذكية في الآلة، وضغط أرقامًا وخرجت النقدية، خرج القرد وهو يعدُّ ويُخطِئ في الحساب، ثم يُعِيد الكرَّة، إلى أنْ توقف أمام عمود إنارة، اتَّكَأ على العمود، وأعاد الحساب، لقد تمَّ خصم مبلغ من راتبه. أدخل القرد النقود في محفظته، وأمسك بورقة صغيرة بها كشف الحساب، وبدأ يحسب مبالغَ الخصم: طعام، طاقة شمسية، تذاكر حافلة، استهلاك الهواء...إلخ.

هزَّ القردُ رأسَه بعنف وغضب: "أنا مُبذِّر، سُحقًا.. إنه فيروس جيراني البشريين، يجب أن أنتقل إلى حيٍّ يقطنه قِرَدَة فقط".

المشهد 3

دَخَل القردُ الحيَّ الجديدَ، وباغتته لَطْمَة على قفاه، وضحكة رنَّانة، وصدح صوت يقول: "أهلا وسهلا بك في مملكة القِرَدَة. عزيزي القرد، نحن نرحِّب بضيوفنا بلطمة خاصة من قِسْم شؤون القرود".

استمرَّتْ مُباغتة اللطمات في الحيِّ الجديدَ.. تصعدُ سُلماً صُفِعت على خدِّك، هَبَطت سُلَّماً آخر تأتيك لطمة، دخلتَ شقَّتك أو خَرَجت منها لُطِمتَ، إنْ وقفت على أسوار بيتك لُكِمتَ.. فقرر القرد حينها الالتزام بكلَّ قوانين شؤون القِرَدَة، فخفَّتْ الصَّفعات واللَّطمات تدرجيًّا إلى أن اختفت.

المشهد 4

اصمُت، ليس مكانك للتعلُّق، هذا هو المطلوب؛ دَاهِن، سايس، هِز ذيلك، ابتَسِم، زِد بالابتسام أنت قردٌ مُحترم مُوقَّر، مُوظَّف، لكَ مكانك ومركزك، وإنْ طَلَبوا طلاء أظافرك فافعل، افعل أيَّ شيء لكي ترتقي في شؤون القردة، لكي تنال الحَظوة؛ لأنك قِردٌ أمين مكين.

صَفَّقَ القردُ على خدِّه بحماسة، واستلقى على سريره؛ حيث يجب عليه أن يستريح، فعملٌ كثيرٌ ينتظره بالغد، هزَّ ذيلَه الطويل، ودخل في سُبَاتٍ عميق.

استيقظَ القردُ.. وقفَ أمام مرآته وصَرَخ بارتياع وفزع: أينَ اختفى ذيلُه؟ أين قَوَاطعه اللؤلؤية؟ أين أذناه المستديرتان؟!!!!!!!

يا إلهي.. لقد تحولت إلى كائن بشري!