لماذا لم يزر الوفد الاقتصادي السعودي ظفار؟

د. عبدالله باحجاج

أنقل التساؤل أعلاه من بعض وسائل التواصل الاجتماعي المحلية، وهو تساؤل موضوعي، ويحتوي على مُبررات تجعلني أطرحه كقضية وطنية على عكس ما قد يحمله العنوان من مفهوم إقليمي مُجرد، وهذه مسألة أتصدرُ لها منذ البداية حتى لا تُفهم خارج هذا السياق.

فزيارة الوفد الاقتصادي السعودي لبلادنا، كانت فرصة ذهبية لتسويق وترويج، ومن ثم توجيه، البوصلة الاستثمارية نحو المُقومات السياحية في محافظة ظفار، لكن لم يتحقق ذلك، وهنا يظهر لي مُجددًا إشكالية قديمة/ جديدة، وربما تستمر معنا في إطار الفاعلية "الاستوزارية" الجديدة، فماذا وراؤها؟!

كنا نأمل إظهار ظفار كمحطة ضمن محطات زيارة الوفد، فقد ضم الوفد السعودي أكثر من 50 من رؤساء وقيادات الشركات السعودية الرائدة إقليميًا وعالميًا، وكنا نعول على زيارة الوفد لظفار التي تشهد في لحظتها- وحتى الآن- خريفًا متوهجًا، كل يوم يمر عليه وحتى الآن، فيزداد حيوية، وكأن هذا اليوم بدايته، وليس يسير نحو نهايته الفصلية؛ حيث يحتفظ برونقه وجاذبيته وكبريائه، وبالتالي يفرض زيارته، حيث الرذاذ والضباب والأمطار والهواء العليل، وحيث بيئاتها الأربع المتداخلة، الساحل، المدينة، الجبل، البادية.. في الوقت الذي تشعل الحرارة المرتفعة الحرائق في مناطق في الخليج.

ويقينا لو أنَّ القيادات الاستثمارية السعودية الكبرى، وطأت أقدامها هذه الاستثنائية العُمانية الخليجية، لانبهرت بها منذ الوهلة الأولى، وأثرت إيجابياً على قرار استثماراتها في الجانب السياحي، وحوّلت بوصلتها نحو بلادنا من هذا الجزء السياحي الاقتصادي بامتياز، خاصة في ضوء دراسات تشير إلى مستقبل تحول الحياة في الخليج إلى صعوبة العيش فيه بسبب ارتفاع درجات الحرارة (وهذا مشروع مقال مقبل) وحتى لو توقفنا عند مؤشرات الحرارة الراهنة، فسنجد الصعوبة البالغة فيها أيضاً، ففي شهر يونيو الماضي، سجلت الحرارة في السعودية والإمارات أكثر من 50 درجة مئوية، والكويت أكثر 53 درجة، من هنا تكون التطلعات لهذه الزيارة، وذلك للمعايشة الواقعية بين المناطق الملتهبة التي أتى الوفد منها، وبين نقيضها بكل المقاييس في ظفار.

لم نستفد من هذا التسويق والترويج المجاني لبلادي، لم نستفد من حالة الانبهار بالطبيعة الساحرة ومناخاتها الموسمية والاجتماعية والسياسية الآمنة، وتم تفويت رؤية بلادي في تعددها وتنوعها، وفي انصهارها الذي يسمع عنه إعلاميًا، مما يطرح علامات استفهام كبيرة حول التساؤل: لماذا؟ فكيف نتطلع لنهضة سياحية مستدامة، وتحويل السياحة الى مصدر للدخل، وأهم محافظة سياحية واقتصادية لم تكن مدرجة على جدول أعمال زيارة وفد استثماري كبير جاء ليؤسس الشراكة العمانية السعودية من مختلف القطاعات ومن بين أهمها السياحة؟

كان يستوجب أن تكون محافظة ظفار، محطة الوفد السعودي بعد مسقط والدقم، تُعقد بين أحضان طبيعتها الخضراء والرذاذ والضباب بروائح اللبان.. الفعاليات، وبالذات اجتماع مجلس الأعمال العُماني السعودي، وهو الكيان الذي يجمع كبار رجال الأعمال من البلدين، وكأعمال المنتدى الاستثماري العُماني السعودي الذي يسعى إلى تحقيق التكامل بين مسقط والرياض.. مثل هذه الفعاليات مكانها ظفار على الأقل تقديرا لاستثنائيتها المناخية والمكانية المستدامة، وترجمة لتطلعات البلاد لقطاع السياحة كمصدر من 5 مصادر أساسية يعول عليها أن تشكل مصادر الدخل لاقتصاد بلادنا الجديد.

أو على الأقل، كان ينبغي زيارتها لمجرد الزيارة، فهذه الزيارة ستسوق ظفار بنفسها، فالمستثمرون ستغريهم الطبيعة وسحرها ومقوماتها السياحية البكر، فربحيتها مضمونة في ضوء تزايد إقبال الخليجيين على السياحة الخريفية؛ حيث يشكل السعوديون أغلبهم سنويًا، وكذلك مدى الإقبال السياحي على السياحة الشتوية، وظفار في حالتها الراهنة دون صناعة سياحية، فكيف لو صنعت سياحتها؟ فتزامن زيارة الوفد مع فصل الخريف، تفرض زيارته لظفار، لو لمجرد استراحة للوفد من عناء الأنشطة والفعاليات لثلاثة أيام مُتواصلة.

فماذا عسانا أن نفسر عدم استفادة المؤسسات والجهات المعنية من هذه الفرصة الذهبية للسياحة في بلادنا؟ هي مؤسسات حكومية مركزية ولامركزية، لكن الأصلح الآن، إعمال الفكر من منظور مجموع المصالح المكانية، وإطلاقه من محاذيره التقليدية لدواعي النجاح الشامل لرؤية "عُمان 2040"، وهي قائمة على الاستثمارات الخاصة بنسبة 80%، والمحلية منها، عازفة عن الاستثمار داخل وطنها، وتستحوذ على الأراضي السياحية كأملاكها الخاصة، فما الحل سوى الاستثمارات الخارجية بما فيها الخليجية.

صحيح أنَّ هناك أثمان ستدفع من وراء هذا الانفتاح، كبقية الانفتاحات الأخرى، وهي معلومة بالضرورة، لكن يمكن إدارتها بالتشريع المحكم والرقابة الفاعلة، بما يضمن تحقيق المصالح الاقتصادية ويخدم القضايا الاجتماعية، فبلادنا في زمن مختلف عن الزمن السابق.. لذلك تستوجب إعمال الفكر الشامل برؤية المُستقبل مع الأخذ بعبر الماضي، وأن لا يظل الماضي حاكمًا للمستقبل لوحده، ومتجاهلا للمتغيرات الإقليمية الجديدة وخيارات بلادنا المحدودة.