خلفان الطوقي
لا يختلف اثنان على أنَّ توسعة رقعة الاقتصاد في أيِّ دولة هي صمام الأمان لتحقيق النمو، بمعنى آخر أسهل للتوضيح، أنه إذا ازدهرت التجارة في مُحيط مُعين، فالكل سوف يكون رابحًا؛ الدولة والمؤسسات التجارية والمجتمع والفرد، وسوف تزيد الفرص الوظيفية، وتقل نسبة المسرحين من أعمالهم، وسوف تتضاعف العوائد المالية لخزينة الدولة من رسوم وضرائب، وستظهر معها أنشطة تجارية نوعية وسلع وخدمات مصاحبة، وستولد معها آفاق وفرص ترفع من رفاهية المجتمع ومضاعفة دخل أفراده، وعشرات من المزايا الإضافية في كافة مناحي الحياة، وسوف تقل نسب التخلف والجهل والفقر والمرض والجريمة والتحايل.
ولأن توسعة الاقتصاد تعني إقناع أصحاب رؤوس الأموال من داخل الدولة وخارجها بأن يضعوا جهودهم وأفكارهم وأموالهم في محيط معين، فذلك يعني أن قرارهم الاستثماري أتى بعد تمحيص ومقارنة ودراسة وبحث وتحليل، ولأن بعض الدول وخاصة الدول الخليجية استوعبت ذلك تمامًا، عليه أصبحت مرنة كي تتمكن من مواكبة تطلعات المستثمر المحلي والخارجي، ولأن السلطنة ساعية في هذا الطريق، فالعملية لن تكون سهلة، بل محفوفة بالتعقيدات التي يمكن شرحها في مقال آخر.
وتوسعة رقعة المحيط التجاري لن تنزل من السماء دون جهود جبارة وأعمال ميدانية، وسوف تبقى الوعود وعودا ما لم تتبعها خطوات عملية تحقق نقلة نوعية في مجال الاستثمار المحلي والخارجي، وسوف أذكر جزءا من هذه الخطوات التي لا تحتمل التأخير، وأهمها من النواحي التالية:
تشريعيًا: تجديد القوانين ومُراجعتها دوريا، وإيجاد آلية لمرونة تعديلها حسب مُتغيرات العصر، وسرعة التقاضي والتنفيذ في التحكيم التجاري.
إداريًا: تطوير الهياكل الادارية لتكون سريعة ومنتجة محققة أهداف وجودها بما يضمن جودة وسرعة إنجاز المعاملات وخدمة العميل بأريحية، تمتاز بشفافية الوقت المحدد لكل معاملة (الحد الأدنى والأقصى لكل معاملة).
إلكترونيًا: من المنصف أن نقول كثيرا من المعاملات أصبحت إلكترونية، ولكن المستثمر أصبح يتطلع لأكثر من ذلك بكثير، يتطلع لأن يتعامل مع منصة إلكترونية واحدة بدءًا من اتخاذ قراره الاستثماري في السلطنة. ومعرفة ما له وما عليه من خلال هذه المنصة، وتقليل مراجعاته للمؤسسات الحكومية إلا في حالات نادرة جدا.
سلوكيًا: هو أن تؤمن إيمانا راسخا كافة المؤسسات الحكومية وموظفوها بأن هدف وجودها هو خدمة المستثمر دون منة أو منغصات، وأن إنهاء أي معاملة للمستثمر تعني دخلا ماليا إضافيا لخزينة الدولة، وأن زيادة أي نشاط تجاري يعني توليد وظيفة جديدة، وأن أي تعطيل لأي معاملة يعني تعطيلا في التنمية والتطور والرخاء والرفاهية، وأن أي تعطيل يعني ذهاب الفرصة الاستثمارية من السلطنة إلى خارجها، فقد حان وقت تغيير المفاهيم لدى البعض من الدور السلطوي إلى الدور الخدمي.
نفسيًا: ما زال كثيرٌ من أصحاب رؤوس الأموال يتفادون ممارسة التجارة لوجود صورة ذهنية بأنَّ التعقيدات في كثيرٍ من المؤسسات الحكومية هي أكبر معرقل للتجارة، ويثبت لهم ذلك الأحاديث السلبية والتذمر المنتشر في المجالس بنوعيها الواقعي والافتراضي، لذلك ترى كثيرا منهم يلجأ لايداع أمواله في البنوك ووضعها كوديعة أو شراء سندات نظير فائدة ثابتة، لذلك لابد من جهود حكومية ميدانية واقعية ومقنعة لإرجاع ثقة هذه الشريحة التي سوف تتسع يوماً بعد يوم ما لم يكن التدخل الحكومي مبكرًا وذكيًا.
ما ذكرته هو الأهم فقط، ويمكن معالجته بقرارات وقوانين جادة وعاجلة وجرئية، فاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والعالمية لم يعد سهلًا، ولا يتحقق بالأمنيات؛ بل من خلال منظومة عصرية متكاملة، فالمسثتمر أصبح لا يثق بالوعود بل بالجهود والممارسات الميدانية، ورأس المال لم يعد جباناً كما يردد البعض؛ بل أصبح ذكيًا، يستطيع تمييز أفضل الوجهات الاستثمارية الجاذبة حول العالم، والتي بمقدورها تحقيق تطلعاته وأهدافه الشخصية والمهنية.