المشاريع المعلّقة

 

يحيى الناعبي

مقال اليوم لربما كتب عنه الكثيرون، وتحدث عنه العامة، وهو يتعلق بمشاريع تنموية (كما تم عنونتها في الصحف آنذاك)، وتم تخصيص الملايين من الريالات، وبعضها وصل إلى لغة المليارات، كما هو طريق الباطنة الساحلي الذي يترنح تنفيذه منذ 15 عامًا، وهناك مشاريع أخرى متعلقة بالموانئ البحرية الخاصة بالصيادين في بعض الولايات، والتي بعضها يصل تنفيذه إلى قرابة العقد من الزمن، ولم يُنجز بعد، إضافة إلى مشاريع أخرى تلامس الحياة المعيشية للمواطن وليس فقط تشكل رافدا للتنمية الوطنية.

الغريب في الأمر أنه أثناء التوقيع على إنشاء هذه المشاريع كانت التصريحات تعبر عن أهميتها ودورها في تغيير خارطة التنمية من النواحي الاقتصادية لبعضها، وأخرى تساعد على حلّ مشكلات متعلقة بالاختناق المروري وغيرها من الفرضيات المؤمل نتائجها. لكن ما حدث هو أنها تحولت إلى عبء تكبده المستهدفون (المواطنون) الذين ساهموا بالتنازل عن منازلهم ومزارعهم وممتلكاتهم الأخرى من أجل هذه المشاريع، مادياً واجتماعياً وأثر أيضاً على نمط حياتهم اليومي.

نطرح من خلال هذه المنظومة غير المُكتملة عدة أسئلة ويتمنى الجميع أن يتم الإجابة حولها:

أولًا: إذا كانت هذه المشاريع ذات أهمية كما روّج لها، لماذا توقفت أو تباطأ تنفيذها؟ وفيما لو افترضنا أن الإجابة ستكون بسبب العجز المادي، فهل هذا يعني أن مشاريع بالملايين والمليارات كانت تعدّ على طاولة في مقهى، أم أنها مشاريع مدروسة مع مجموعة من الخبراء والمستشارين ومن كل النواحي المادية، والاقتصادية، والأهمية الاستراتيجية، وغيرها؟! ألا توجد دراسات جدوى رقمية توضح التكاليف والمدة التنفيذية، والعائد المرجو لكل مشروع حين الانتهاء منه؟

ثانيًا: لماذا على المواطن أن يتحمل قرارات غير مدروسة ناتجة عن رؤية شخصية كما لو أنها رؤيا منام؟! هل يُعقل لأي منظومة أو مؤسسة إدارية تمثل الدولة وهيبتها بأن تؤجل تعويض أسر المواطنين البسطاء التي انتزعت ملكية منازلهم وممتلكاتهم منذ 15 عاماً؟!

ثالثًا: هناك الكثير من المشاريع الأخرى التي أقيمت بعد هذه المشاريع، وأنجزت بغض النظر عن مدى أهميتها، أو حتى مقارنتها بأهمية المشاريع المعطّلة. هذا بدوره أظهر تناقضا حول ما يتعلق بمسألة العجز المادي؛ بل على العكس من ذلك، يبدو أن المشاريع فعلًا هي نتاج رؤية غير مدروسة وكلٌ له رؤيته، وبالتالي ينقلنا هذا الاستنتاج إلى أن مفهوم التنمية الشاملة غير موجود بدرجة ما، وأن ما نلتمسه من نتائج هي تنمية جزئية مرهونة بقرارات المؤسسات والأفراد.

نعلم أن هناك مخصصات للمشاريع المتنوعة، لكن فيما يبدو أنها غير مُتناغمة، سواء على مستوى الأهمية والأولوية، أو في الفارق بمدة التنفيذ والإنجاز.

المؤكد أن المشاريع العالقة خلفّت أخطاءً ليست فقط على مستوى الدراسات والإحصاء؛ بل إنها على مستوى حقوق المستهدفين أو المتضررين جرّاء هذه المشاريع، مثل التقييم لممتلكاتهم والتعويض المادي، بعد أن تمَّ نزع ملكياتها منهم وتداخلت فيه إشكالات عديدة، واختلفت التقديرات وأرقام ميزانيات المصاريف والتعويضات مرات عديدة، وتضاعفت وهذا يضعنا أمام تساؤلات كثيرة عن أسباب ذلك!

أما على مستوى التعويض في المنشآت السكنية البديلة، فلم تكن على المستوى الذي يطمح إليه المتضررون، بالتوازي مع منشآتهم السكنية التي تم هدمها، ناهيك عن التأخير الذي تم ولا يزال لبعضهم.

لا خلاف حول تغليب المصلحة العامة على مصلحة الفرد، لكن هذا يتم بشفافية عالية ووضوح تام، وليس فقط الأخذ بالجزئية الأولى المتعلقة المصلحة العامة والإضرار بالجزئية الثانية والمتعلقة بتعويض الأفراد. يبدو أنه من الضروري جدًا أن تكون هناك آلية عُليا تحسم أبسط حقوق المواطنين. لقد امتثلوا إلى الاستجابة للمرسوم السُّلطاني القاضي بتغليب المنفعة العامة، فهل جزاءهم أن ينكل بهم في حقوقهم!

الغريب في أمر مُجتمعاتنا أننا نتطرق إلى كل شيء يخص الطبقة المستضعفة المغلوب على أمرها، لكن حين نصل إلى العناصر المسببة لكل ما أوصل المجتمع من حالة ضعف وعجز ننكفئ ونتراجع ولا يتم محاربته. وبالتالي حججنا ناقصة في مُعالجة الأمور الأخرى في إصلاح المجتمع ما لم نتطرق إلى جذور المشكلة.

لم يعد المُجتمع يصغي لتلك النغمة التي تترنم بفساد الذمم، وقلة الوازع الديني وسيناريوهات التخدير الموضعي؛ لأنه يعلم أنها شماعة أسستها الأنظمة على لسان بعضهم.