التكامل العُماني السعودي

حاتم الطائي

◄ زيارة الوفد السعودي للسلطنة باكورة النتائج الإيجابية لـ"قمة نيوم"

◄ الإرادة السياسية المشتركة قوة دافعة للعلاقات العمانية السعودية

◄ جهود تسريع التكامل الاقتصادي تؤتي ثمارها خلال المرحلة المقبلة

تطور كبير في علاقات التَّكامل الاقتصادي بين السلطنة والمملكة العربية السعودية الشقيقة، يتحقق اليوم مع وصول معالي وزير الاستثمار بالمملكة مع وفد رفيع المستوى، إلى مسقط؛ حيث من المقرر أن يلتقي عدداً من كبار المسؤولين، ويشارك في أعمال المنتدى الاستثماري العماني السعودي المُرتقب غدًا الإثنين، والذي سيمثل منصة غير مسبوقة لعرض فرص الاستثمار بين البلدين.

زيارة الوفد السعودي إلى بلادنا، تمثل أولى الثمار اليانعة وباكورة المُخرجات الإيجابية للزيارة التاريخية الناجحة التي تفضَّل بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- إلى المملكة العربية السعودية في 11 يوليو الماضي والتقى خلالها أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد صاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهذا يعني أن نتائج القمة العمانية السعودية التي التأمت أعمالها في مدينة نيوم، تحققت بعد أقل من 6 أسابيع من تاريخ الزيارة، الأمر الذي يُبشر بتسريع وتيرة الجهود الرامية إلى دفع العلاقات الثنائية إلى آفاق أكثر رحابة تُلبي تطلعات قيادتي وشعبي البلدين، ومن ثمَّ تمهيد الطريق لبناء تكامل اقتصادي، يُحقق أقصى استفادة ممكنة من المقومات الاقتصادية الهائلة لدى الجانبين.

وهذا التكامل العُماني السعودي الذي نرى أولى خطواته الآن، يتحقق بفضل مجموعة من العوامل والمُحفزات، على رأسها الإرادة السياسية القوية، والإدارة المُتقنة لملف العلاقات العمانية السعودية من قبل الجهات المعنية، فضلاً عن توافق الطموحات المشتركة. وعندما نتحدث عن الإرادة السياسة، فإنها حاضرة بقوة وقد تلقت زخمًا كبيرًا خلال الزيارة السامية للمملكة، والمباحثات التي أقيمت على هامش "قمة نيوم"، والتي سبقتها زيارات لمسؤولين عُمانيين إلى المملكة، شهدت التباحث حول طرح 150 فرصة استثمارية بالسلطنة على المستثمرين السعوديين، بإجمالي استثمارات متوقع يصل إلى 1.5 مليار ريال عماني، وهو رقم يدعو للتفاؤل، ومن شأنه أن يزيد حجم الاستثمار الأجنبي في بلادنا، ويوفر المزيد من فرص العمل، فضلاً عن الانتعاش الاقتصادي الذي سيصاحب المشاريع المرتقب تنفيذها.

وهناك عوامل ومحفزات ستُساعد على تحقيق التكامل الاقتصادي، في مُقدمتها التسهيلات الاستثمارية التي تقدمها السلطنة للمستثمرين، وخاصة الخليجيين، إذ إن تعديلات قانون استثمار رأس المال الأجنبي التي صدرت خلال الفترة الماضية، ساهمت في أن تكون السلطنة ضمن الوجهات الأولى الجاذبة للاستثمار في المنطقة، أضف إلى ذلك المقومات الاستراتيجية التي يزخر بها وطننا، من مناطق صناعية واقتصادية خاصة وحرة. وهذه المناطق ستحتضن العديد من الأفكار الاستثمارية والمشاريع الاقتصادية، التي نأمل أن ترى النور في أسرع وقت مُمكن. وهنا نشير إلى أنَّ التوجه السعودي في الوقت الراهن يسعى لتحقيق أقصى استفادة ممكنة وتبادل للمصالح مع السلطنة، من خلال توظيف الموانئ العمانية، وخاصة صحار والدقم وصلالة، لتعزيز حركة التجارة، وأن تكون هذه الموانئ نافذة للبضائع السعودية ومنطلقاً نحو الأسواق الواعدة في غرب أفريقيا والشرق الآسيوي، وهي الوجهات التي ينظر إليها المنتجون لطرح بضائعهم ومنتجاتهم.

ومما يعزز من هذا التوجه، الخطوات التي تتخذها الجهات المعنية في السلطنة، ومنها دعوة ائتلاف عُماني سعودي- فقط- للتنافس على مُناقصة لتنفيذ مشروع الطريق الرابط بين مطار الدقم ورأس مركز في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ما يعني الرغبة العُمانية الأكيدة في تشكيل تحالفات اقتصادية بين الشركات العمانية ونظيرتها السعودية.

أما فيما يتعلق بتوافق الطموحات المشتركة بين البلدين الشقيقين، فإنَّ الرؤيتين المستقبليتين "عمان 2040" و"المملكة 2030" تتشاركان في العديد من القواسم، خاصة الجوانب الاقتصادية والتنموية، فكلا الرؤيتين تطمحان إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي من مصادر الدخل الوطني، وهذا التنويع يتأتى عبر التركيز على القطاعات الواعدة، مثل السياحة والصناعات التحويلية والمشاريع اللوجستية، ومشروعات أخرى تساعد على ازدهار الاقتصاد وتلبية تطلعات المجتمع في بلوغ مستوى جيد من المعيشة.

وبالعودة إلى زيارة الوفد السعودي إلى السلطنة، فإنها ستشهد عقد اجتماع مجلس الأعمال العماني السعودي، وهو الكيان المشترك الذي يجمع كبار رجال الأعمال من البلدين، ويسرع الخطى نحو تنفيذ المشاريع المرتقبة. وفي اليوم الثاني من الزيارة تلتئم أعمال المنتدى الاستثماري العُماني السعودي، والذي يمثل خطوة متقدمة على مسار تحقيق التكامل بين عُمان والسعودية، إذ ستتضمن أعمال هذا المنتدى طرح خطة واضحة لتحقيق هذا التكامل، عبر وضع مؤشرات أداء لقياس مدى التقدم في المشاريع والمبادرات الاستراتيجية، علاوة على إطلاق برنامج تسريع وتيرة التكامل.

لا شك أنَّ مثل هذه التطورات تنبئ بتقدم واضح في مستوى العلاقات كي تصل إلى ما تتطلع إليه قيادتا البلدين، والتي ترتكز بصورة رئيسية على الارتقاء بمعدلات التبادل التجاري وحجم الاستثمارات، فضلاً عن الاستفادة من المقومات الاستراتيجية وعلى رأسها المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم.

وختامًا.. إن النهج الرفيع الذي تمضي من خلاله السلطنة والسعودية نحو مُستقبل أكثر إشرقًا، كفيل بأن يترجم الطموحات الثنائية لكلا البلدين الشقيقين، ومن هنا فإنَّ المجال مفتوح أمام أصحاب الأعمال العمانيين- وخاصة من أصحاب المشاريع الابتكارية الواعدة- لكي يسهموا في تحقيق الأهداف المرجوة، وينطلقوا بوطنهم نحو مرافئ الازدهار والنمو، مستفيدين من الزخم السياسي والاقتصادي والإعلامي لمستقبل العلاقات العمانية السعودية، وإنني على يقين بأنَّ تطورات إيجابية كبيرة ستُحقق خلال الأيام القليلة الماضية، وسنشهد الإعلان عن مشاريع واعدة تلبي الطموحات.