ماذا جرى في قطر؟

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

نشكوالمظلمات، ونُطالب بالعدل، وننتقد الأوضاع والتشريعات والإجراءات، هذا كله حق وواجب، رفض الظلم وقول الحق والسعي للتغيير للأفضل مسؤوليتنا "إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ولا نكون سلبيين "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم"، وما نشكو منه إما منكر يجب النهي عنه أو معروف يجب تأييده "ولا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم"، لكن كل ذلك ينبغي أن يتم وفق الأساليب المشروعة ودون خروج على القانون أو النظام، فالغايات المشروعة تتطلب وسائل مشروعة وإلا كانت الفتنة والفوضى.

ما حصل في قطر أنَّ قانونًا للجنسية القطرية صدر عام 2005 نصَّ في مادته الأولى على أنَّ القطريين أساساً هم:

  1. المتوطنون في قطر قبل عام 1930 وحافظوا على إقامتهم فيها حتى تاريخ العمل بقانون الجنسية 2/ 1961.
  2. من ثبت أنه من أصول قطرية .
  3. من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري (بموجب البنود السابقة).

جاء هذا القانون بديلاً لقانون الجنسية القطرية 2/ 1961، ورتب تغييرا في المراكز القانونية لحاملي الجنسية القطرية في ظل القانون السابق، إذ قرر في المادة (1) أنَّ التجنيس حق سيادي للدولة لا ينازع فيه ولا مُعقب عليها، وحدد شروط منحه لطالبه (إقامة مستمرة 25 سنة، له وسيلة رزق مشروعة، حسن السيرة، إلمام باللغة العربية). وهي شرائط متفقة مع المبادئ العالمية، لكن نص (فقرة 4) جاء ليقرر"ويعتبر قطرياً بالتجنس من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري بالتجنس" ليؤبد التجنيس في سلالة المجنس، نص لا نظير له في كافة قوانين العالم.

وأصبح القطري صنفين:

  1. أصلي: يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية (تصويتًا وترشيحًا وتوزيرًا).
  2. مُجنس: يتمتع بكامل الحقوق المدنية دون السياسية.

وحرمان المجنس من مُمارسة الحقوق السياسية لفترة معمول به في كافة القوانين ويتقبله الأب المجنس بغير غضاضة، لكن استمرار الحرمان في ذريته يُفاقم الإحساس بالمرارة لديه، خاصة أنه كان قبل مواطنًا كامل الحقوق، وشارك مع إخوانه القطريين الاستفتاء على الدستور (29 أبريل 2003) الذي حظي بموافقة الغالبية العظمى من القطريين.

الدستور القطري نص على إنشاء مجلس للشورى كامل السلطات تشريعاً ورقابة، من (45) عضواً، يتم انتخاب 30 عضوًا عن طريق الاقتراع العام السري المباشر ويعين الأمير الأعضاء الـ15 من الوزراء أوغيرهم (المادتان 76 و77)، طبقًا لقانون انتخابات تحدد فيه شروط وإجراءات الترشيح (المادة 78).

لقد ظل تفعيل هذه المواد مؤجلاً 15 عامًا، ورأى سُّمو أميرنا أنه آن أوان تفعيل الاستحقاق الدستوري فأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، فصدر قانون للانتخابات حدد شروط وإجراءات التصويت والترشيح مستمد من قانون الجنسية الذي يحصر الحقوق السياسية على الأصليين دون المُجنسين.

ورغم أن سُّمو أميرنا- حفظه الله- بحسن تبصره وسبقه للأحداث أصدر المرسوم رقم (7/ 29) قيد التأبيد، ومنح المتجنس المولود جده في قطر حق التصويت، كما فتحت اللجنة المُنظمة باب التظلم من القانون ومددته أسبوعين، إلا أنَّ كل ذلك لم يحقق طموحات مكونات مجتمعية تعد أكثرية، خاصة قبيلة "المرة" التي رأت أحقيتها بالمُشاركة، فتنادى فئة منها قليلة للاعتصام احتجاجًا على قانون الانتخابات الذي استبعدهم.

ورغم أنَّ هذا الاعتصام غيرالمسبوق في تاريخ قطر، لم يدم إلا أيامًا معدودة، وظل حدثًا معزولًا لم يلق تجاوبًا مُجتمعيًا، وضُخِّم خارجيًا عبر مقاطع فيديو أظهرت تجاوزات بعضهم الأعراف والقانون، إلا أنَّ حكومتنا الرشيدة آثرت الحكمة وعالجت الموقف بالحسنى وتم فض الاعتصام دون عنف ولا دم بحمدالله، ليسجل لقيادتنا حسن إدارتها للحدث.

اليوم.. الإجراءات التنفيذية قطعت شوطًا، تم الانتهاء من مرحلة تسجيل الناخبين وتحديد دوائرهم إلكترونيًا وتلقي التظلمات تليها مرحلة فرز المرشحين، وصولًا لانتخابات أكتوبر بإذن الله.

أخيرًا.. المطالبات بتعديل قانون الجنسية مُحِقَّة، وهناك تفهم لدى قيادتنا لها، والآمال على المجلس الجديد إجراء تعديل يمنح جميع القطريين أبناء المجنسين حق المشاركة.

** كاتب قطري