حرب كورونا العالمية

خالد بن أحمد الأغبري

 

الحروب العالمية تقوم على تكتلات دولية وتحالفات إقليمية وتُجَّهز لأجلها مختلف الأسلحة المدمرة والآليات المتطورة بما في ذلك الأسلحة الجرثومية التي تقضي على الأخضر واليابس، ويبقى العالم في هرج ومرج وهلع وتوتر، لكن هذا كله لا يساوي أي شيء يذكر أمام قدرة الله وعظمته؛ لأنَّ الله إذا أراد أن يُهلك قومًا خرجوا عن جادة الصواب بإعلان الفساد والتكبر على العباد، يرسل إليهم أضعف مخلوقاته لهلاكهم وتدميرهم وإبادتهم عن بكرة أبيهم، ولنا في القصص التي ذكرها الله في القرآن الكريم عبرة بالغة التأثير لمن يعتبر؛ كقصة قوم سيدنا نوح وقصة قوم سيدنا صالح وقصة أصحاب الفيل وقصص أنبياء الله لوط وموسى وهارون وهود وشعيب وغيرهم من الرسل والأنبياء الذين عانوا من الاضطهاد وقسوة أقوامهم الذين لم يستجيبوا لنداء العقل والمنطق وخرجوا بطغيانهم مجاهرين بالمعصية والفساد.

هناك نماذج كثيرة حدثت بطرق مختلفة وأساليب متنوعة تطورت وتفاعلت من خلال تلك الانتهاكات والجرائم والمعاصي التي ارتكبوها علناً ويقومون بها مجاهرة إلى أن أدى بهم الحال إلى الهلاك والدمار والعاقبة السيئة وسوء المصير.. لكنه رغم ذلك فهناك الكثير من الناس لا زالوا في غفلة وتمرد وجبروت رغم ما يحدث لهم من قصص عبر مسيرة الحياة المضطربة بعوامل الفساد والبغي التي تتعارض مع أساسيات ومفهوم الفطرة التي فطرها الله لعباده وجعل منها محطات تفكر وعظة ورسالات واضحة وبينة لهؤلاء الأقوام من أجل تصحيح مساراتهم والعمل بمقتضيات واجبات الإنسان نحو طاعة ربه والعمل بما يرضيه تعالى وبما ينسجم مع قواعد هذه الحياة ومرتكزاتها المبنية على منهج البر والتقوى.

وها هي الحرب العالمية التي جاءت بأمر خالقنا قد دخلت مرحلة التنفيذ منذ ما يُقارب سبعة عشر شهرا وهي لا تزال مستمرة، كما أرادها سبحانه وتعالى بتوجيهه الصارم لهذا السلاح الفتاك الذي أرسله جلت قدرته وعظم شأنه بهدف إعادة البشرية إلى حظيرته وإرادته ومنهجه القويم وصراطه المستقيم؛ حيث إن تفشي فيروس كورونا الذي ذهب ضحيته أعداد من البشر منهم من قضى نحبه رحمهم الله ومنهم من انهكه المرض وصارت لديه تلك المضاعفات المزعجة صحيا فضلاً عما تسبب فيه من ذعر وتوتر وقلق وكأن العالم دخل مرحلة حرب عالمية قاسية وذلك من خلال قدرة هذا الفيروس على كسر الحدود الدولية ودخوله بطرق مخيفة ومخفية ومتعددة المسارات لا يمكن تصورها أو تكييفها مع حجم الأضرار التي خلفها هذا الوباء بشرياً واقتصادياً واجتماعياً بشكل مذهل يفوق تقديرات أصحاب الاختصاص.

الكل يقف الآن عاجزا أمام هذه التطورات المتلاحقة والجروح العميقة التي أصبحت تشكل خطرًا على حياة البشرية جمعاء في أي مكان كان مهما كان تحصين هذا المكان وقوته، فهذا الوباء لا يخضع لأية إجراءات بشرية ولن تستطيع إيقافه أي دولة مهما كانت قوتها واستعداداتها فهذا الفيروس القاتل أصبح يتمدد بشكل مرعب وأصبح دوره في القضاء على تلك النفوس المريضة بجنون العظمة ولغة الغطرسة التي أوجدت لنفسها قانون الغابة لكي تتعامل به لنشر الذعر والاستيلاء على حقوق الآخرين بالكيفية التي تراها تخدم مصالحها دون مبالاة فالجزاء من جنس العمل.

إنَّ الإجراءات الوقائية والاحتياطية والقرارات التي تتخذها الحكومة ممثلة في اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، هي بلا شك تصب في مصلحة المواطنين بصورة خاصة وكل المقيمين على هذه الأرض بصورة عامة، وعلى الجميع أن يبدي تعاونه ومساندته من أجل مساعدة الجهات المعنية في نشر الوعي الصحي وتثقيف الناس بالأضرار المترتبة على ذلك من جراء جائحة كورونا؛ حيث إننا نقف اليوم أمام آية من آيات الله في رسالة واضحة وجلية فعلينا أن نهيئ أنفسنا للتعامل مع هذه الجائحة بوعي كامل ومشاعر صادقة نحو خالق هذا الكون الذي يدعونا إلى التخلص من تلك الأزمة النفسية التي غيرت من معطيات مفهوم الحياة من المنظور الإيجابي الذي خُلقنا من أجله وتحملنا مسؤولياته وواجباته إلى مفهوم ملوث بأفكار وأعمال سيئة أساءت إلى منظومة الحياة الفاضلة وما ترتب على ذلك من إنعكاسات سلبية.

العالم يقف بأكمله محاولا إيجاد وسائل طبية فاعلة للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر ولازال يبذل مجهودا من أجل تخفيف هذه المعاناة فلعل الله يرشده لتحقيق ما يكون سبباً لإنقاذ البشرية من هذا الوباء القاتل ويعيد الأمور إلى طبيعتها، ومع هذا وذاك فلن يتأتى تحقيق ذلك إلا بالعودة إلى خالق هذا الكون والخضوع لإرادته والعمل تحت مظلته والاعتراف بالتقصير والتضرع والابتهال له والابتعاد عما يغضبه.. نسأل الله العافية والمعافاة التامة في الدين والدنيا والأخرة إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

تعليق عبر الفيس بوك