تخصيص أم تملك مبطن؟

 

 

يحيى الناعبي

 

يعيش العالم المُعاصر اليوم امتحانًا قاسيًا أكثر من ذي قبل، يتمثل في وباء كورونا المتجدد في التحور، ثم التغير المناخي الذي سبب الفيضانات والحرائق في الكثير من دول العالم، مما تسبب في إنهاكها اقتصاديًا؛ لذلك على الدول أن تحرص كثيرًا في كيفية التعامل مع هذه المتغيرات والتصدي لها، وهذا بدوره يتمثل في إدارة جادة تعتمد على أسس قائمة على قوانين واضحة وليست أهواء ومصالح.

يجب أن يدرك الجميع أنه لا مصلحة لأي كان في إضعاف هيبة بلاده، حتى وإن تغلبت مصلحته الشخصية، والواقع أثبت الكثير من الأحداث. للأسف التجربة في الشأن المحلي تثبت يومًا بعد آخر أن بعض القرارات تغلب المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن.

للأسف ما نراه من تراجع في الأداء على بعض المستويات بسبب ضعف الإدارة لم يعد محبطًا ومُخيبًا، كما كنّا نصفه في السنوات الماضية (وأقصد بالماضية هنا منذ بداية الألفية)؛ بل أصبح مخيفًا، ويجب أن يدق ناقوس الخطر، ليس فقط من الداخل مع تضرر الأوضاع المعيشية لدى كثيرين، الناتج عن تراجع الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمية والاجتماعية وغيرها؛ بل، أيضًا هناك من له مصلحة في أن لا تتقدم عُمان.

هذا الطرح لا يقصد منه السوداوية وفقدان الأمل؛ بل يُحاكي الواقع الناتج عن سوء التصرف الإداري والذي لا يحتاج إلى خبرات بقدر ما هو بحاجة إلى رقابة صارمة وليس ضمير؛ لأن المواطن أصيب بالتخمة من الكلام النابع عن الضمائر دون أن يترجم إلى أفعال؛ بل على العكس كانت تلك الضمائر تخفي للناس السوء في التدبير.

لقد اكتشف المواطن أن الخصخصة في بعض القطاعات ليست سوى آلية استغلها البعض للتربح من مقدرات الوطن ولتصبح ملكية "مبطنة" لفئة محدودة، بدأت مع شركات بعينها إلى أن أصبح التخصيص في عموم الموارد وخاصة الطبيعية منها. طبعًا التخصيص له آليات وشروط وليس كما هو قائم في شركات التخصيص للموارد الوطنية؛ فالحكومات تسعى إلى التخصيص من أجل التطور والإنماء، وليست آلة ضغط على المواطنين.

على المستوى الإداري، تسعى الحكومات إلى تخفيف الضغط عن كاهلها فتتحول إلى خصخصة بعض القطاعات حتى تترك الفرصة للمشاركة وليس التملك، لذلك تكون متبوعة بنظام ضريبي محدد واشتراطات صارمة، وفي الغالب يكون التخصيص تحت إدارة الحكومة حتى لا تتجرأ الشركات على إساءة التصرف. بينما الوزارات في عُمان قائمة على هذه الخدمات وبالتالي لا توجد ضرورة لمثل هذه الشركات التي أنهكت الحكومة والمواطن.

على المستوى المالي، تسعى الحكومات للاستثمار في مقدراتها إذا لم تستطع الدولة مالياً البدء في النشاط أو استغلال الموارد، وهنا تتحول إلى عقد صفقات مع استثمارات خارجية بنسب معينة يتم الاتفاق عليها. طبعًا التجربة العُمانية أثبتت أيضًا عدم نجاح كبير، وخصوصًا ما شاهدنا في نهاية تسعينيات القرن الماضي وبدايات الألفية في تخصيص قطاع الثروة السمكية. حينها، لم يجد المواطن الذي يعيش بمحاذاة 3165 كم، من أقصى الشمال إلى الجنوب ثمن قطعة السمك والمضحك المبكي (تراجيكوميدي) في الأمر أن الأسماك المُعلبة غالية أيضًا؛ لأنَّ المتحكم بها هو المورّد الذي تتسطح جرافاته فوق بحر عُمان وبحر العرب.

أما ما يحدث اليوم في قطاع الكهرباء من خصخصة هو استهتار كبير بعقول كل من يعيش على الأرض العُمانية. كيف للمواطن أن يُستغل في دفع تسعيرة باهظة في بلد تصل درجة الحرارة فيه لأكثر من 50 درجة مئوية؟ والغريب أنهم لو سمحوا للمواطنين باستغلال الطاقة الشمسية التي تلفح أجسادهم كل يوم باستخدام الألواح الشمسية، لاستغنوا عن شركاتهم "الإدارية" العملاقة بلا طائل ولا جدوى.

الحكومة قادرة على إدارة مواردها التي تحفظ لها أمنها الوطني، وليس لديها ما تنشغل به كباقي الدول من مشاريع عملاقة وصناعات، فلماذا هذا السيناريو المُؤلم الذي يؤثر على صورة الوطن عندما تنتشر مقاطع الفيديوهات في أرجاء العالم عن حاجة المواطن الأساسية، وهي متوافرة وتكفي لأضعاف عدد الموجودين والمقيمين حاليًا؟!