سالم بن نجيم البادي
لا أحد يقتل الشغف داخلك إلا أنت، الإنسان هو الذي يجني على نفسه، والفاشلون وحدهم يلقون باللوم على غيرهم وهي وسيلة تبرير يخدع بها المرء نفسه وطريق سهل للهروب ثم الركون للدعة والكسل والخمول، الإنسان القوي هو الذي يعتمد على ذاته تمامًا دون أن يوطن نفسه على الاتكاء على الآخرين وذلك بعد الاستعانة بالله والأخذ بالأسباب فضعف الإنسان كامن بداخله، ومن الناس من يُحارب هذا الضعف ومنهم من يغذيه حتي ينمو ويكبر، فلا يستطيع مقاومته حتى يقوده إلى هاوية سحيقة يستقر فيها مدى الحياة.
الحياة تحتاج إلى قوة جبارة وبلدوزر يحطم الصخور الصلبة التي تعيق تقدم الإنسان وهو يشق طريقه في الدروب الوعرة. الفقر واليتم والظلم والقهر والتسلط والمستوى الاجتماعي والفشل المتكرر تلك حوافز مشجعة للنجاح وتحقيق الذات ويجب عليك أن تكون صبورا ومكافحا وثابتا ضد الرياح والعواصف والأعاصير والأمواج العاتية، مثل الجبل الشامخ، ولكن حين نلتقي بك في كل مرة ونسألك عن أحوالك تلعن الظروف ظروف الحياة: الظروف صعبة والظروف تعاكسني، الظروف غير مواتية، والظروف هذه شماعة تبرر بها الفشل وأنت محلك سر ولا جديد في حياتك غير الروتين والرتابة، وتستمر في إلقاء اللوم على كل من حولك وعلى كل شيء وتنسى نفسك الخالية من كل عيب والبريئة من كل ذنب، كما تتوهم وعندما أخفقت في دراستك أرجعت السبب إلى المعلم الذي لا يُجيد عمله، وإلى منظومة التعليم الفاشلة كلها، وإلى الأسرة وإلى والدك الذي أهملك وانشغل بغيرك. كل ذلك قد يكون صحيحاً لكن أين دورك أنت وما الذي فعلته للتصدي لتلك الصعوبات؟ لم تقاوم وسقطت ولم تنهض. أنت المنطوي على ذاتك وتعاني من الرهاب الاجتماعي وضعف الشخصية، وتقول إنَّ السبب قسوة والدك أو قسوة البيئة التي نشأت فيها نعم الأب له دور في بناء شخصية الابن واستسلمت، ولم تنفض عن روحك ما علق بها من تأثير الأب وعشت في كنف والدك طوال حياتك. وأنتِ أيتها الزوجة التي تشتكي قسوة زوجها، يمكن أن تغيري حال زوجك عوضاً عن الاستسلام، وهنا لا أحرضكِ على التمرد، لكن توجد ألف طريقة وطريقة لكسب رضا الزوج أو ترويضه وهذه تعرفها النساء اللاتي أعطاهن الله نصيبا من الصبر والحكمة والحنكة، وإن أيقنتِ أن حياتِك صارت جحيما لا يطاق مع هذا الزوج، فإنَّ الله تعالى قد أباح الطلاق، فلا داعي للشكوى المزمنة والقول إن زوجك قتل شغف الحياة بداخلك، ولا معنى للحياة بلا شغف ويحق لكِ أن تركضي وراء هذا الشغف حتى تجدينه في مكان آخر، ومع زوج جديد لا يرتكب جريمة قتل الشغف، لكنِّك لم تحركي ساكنًا خوفًا من تشتت الأسرة وضياع الأبناء، وأدمنتِ الحزن ورضيتِ بالذل.
وأنت أيها الزوج الذي يُعاني من تسلط زوجته وطول لسانها، لا تقضي حياتك في النكد والغم والهم والمعارك الزوجية الطاحنة.. حياتك صارت مُرّة ولا تُطاق وقد فشلت كل المحاولات في جعل الحياة الزوجية أمانًا واستقرارًا وسكينة وسعادة، فلابد من الرحيل والبحث عن حياة أخرى جديدة ومختلفة ومثيرة بعيدًا، وربما مع زوجة أخرى، وأنت قد اخترت التطنيش واللامبالاة وحجتك صابر عليها من أجل الأولاد، وأنت لا تحب المشاكل وتلوذ بالصمت مجبرًا.
وأنت أب، ابنك عاق، ويسبب لك المشاكل وحاولت كثيرا نصحه وإصلاحه دون جدوى، وأرهقت قلبك وأنت تقتفي أثر ابنك لعله يحن عليك ويعود نادماً يطلب رضاك، اتركه وشأنه ولا تذهب نفسك حسرات عليه، لكنك بقيت تستعطفه وتقول إنه ابني وأنت حزين وعيونك دامعة، وذكرياتك مع ابنك عبر مراحل حياته لا تفارقك، اتركه واترك أمرك وأمره لله تعالى. والوطن إن ضاق عليك فارحل عنه ليس كارهًا له ولا ناقمًا عليه، إنما تريد البحث عن أرض تتسع لأحلامك كلها، والتي عجزت عن تحقيقها في وطنك، وتذكّر دوما أن تحمل حب وطنك في قلبك، أينما ذهبت، وسوف تعود إلى وطنك يوماً ما، لتسامحه ولن تحمله وزر خيباتك.. اذهب الآن ولا تلتفت إلى الوراء أبدًا، لكنك لم تذهب، واخترت أن تلوم الحكومة وتنتظر الوظيفة المريحة والراتب الجيِّد.
وأنت الذي تتهم الآخرين بأنهم كانوا سبباً في العقد النفسية والخدوش التي تملأ روحك، أنت السبب.. أنت لا غيرك، وكان من السهل عليك لو أردت أن تنتزع تلك العقد كما ينتزع الشوك من القدم، لتعود روحك خضراء نضرة ونقيِّة وخالية من الكدر.
وأنت يا من تُعاني من الخنوع والخضوع والانهزامية والخوف والتردد وسوء التصرف وقلة الحيلة، أنت من أوقعت نفسك في ذلك، وكان عليك أن تكون ماردًا لا تخشى إلا الله ولا تحني رأسك إلا عند السجود لله!
وأنت تستقبل كلام النَّاس وكأنه رصاص قاتل وكان حري بك ألا تُعيره أدنى اهتمام وأن تمشي في الأرض ملكاً مرفوع الرأس ثابت الخطى، من غير خيلاء ولا بطر ولا تكبر.
أنت من حملت فوق رأسك أوجاع الدنيا كلها، ثم ألقيت اللوم على صعوبة تكاليف الحياة أنت بشر من دم ولحم وليس آلة صماء تجري وتجري وأنت تفعل ذلك غالباً من أجل غيرك.
إنَّ الأيام تمضي سريعا وقد نسيت أن تمرح وتلعب وتلهو وترفه عن نفسك وتسافر وتعود طفلاً، ألم تسأم من هذه الجدية المفرطة والرسميات البغيضة والتصنع الممقوت والمجاملة وطلب رضا الناس، وقد علمت أن رضا الناس غاية لا تدرك واستجداء مدحهم وعطفهم؟
الحياة حلوة والرزق يُدبره الله، ولأن سوء الظن يلازمك والقلق حليفك وانتظار الأسوأ عادة لا تُفارقك، فقد ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وقد أدمنت التشاؤم والتذمر من كل شيء، حتى هرب الناس منك خشية أن تصيبهم عدوى الهوان والضعف والتخاذل والجبن والبكاء على اللبن المسكوب والفرص الضائعة. حتى وجهك بدأت تظهر عليه علامات البؤس والحزن والشيب قبل أوانه؛ لكثرة العبوس والتكشيرة التي غطَّت صفحة وجهك، وكان ينبغي عليك أن تجعل مُحيّاك باشًا مُبتسمًا حتى في أحلك الظروف، وأن تفتح صدرك لدخول رياح الحرية وتذهب إلى البراري مثل الخيول الجامحة وتحلق في السماء مثل الصقور، وقد حطمت قيود الوهم.
وأنت أيها الموظف تشعر بالغبن وعدم التقدير وغياب الحوافز والتشجيع وتكره وظيفتك وتذهب إليها وكأنك تساق إلى الموت، وقد أصابك الملل، لماذا تصبر على ما تكره وأنت تستطيع أن تبحث عن وظيفة أخرى تعشقها وتبدع فيها؟ لكنك لا تثق بنفسك وقدراتك، وتخاف ألا تجد غير هذه الوظيفة؟
وأنت أيها المتقاعد، لقد اعتقدت أنَّ صلاحيتك قد انتهت وأن نجمك على وشك الأفول، وكان في استطاعتك أن تفرح بحريتك من قيود العمل، وأن تعيش سعيدًا وتبدأ حياة جديدة مليئة بالنشاط والحيوية والمشاريع والخطط والسفر والشغف وحب الحياة والعبادة والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة والانخراط في الأعمال الخيرية والتطوعية.
وأنت يا من كنت مواظبًا على ممارسة الرياضة والقراءة، لكن تركت كل ذلك وعذرك أنه لا وقت لديك، والحقيقة أنه عندك من الوقت ما يكفي، هل قمت بعدِّ الساعات التي تقضيها في تصفح هاتفك؟ هل حاسبت نفسك على الجلوس الطويل أمام شاشة التلفاز؟ هل قمت بلوم نفسك لأنك تذهب في مشاوير لا ضرورة لها وهي مضيعة للوقت والمال؟ كما إن نومك طويل وثقيل ولديك عادة سيئة وهي التسويف، وكثيرًا ما يمر يومك دون إنجاز وحياتك فوضى وقريبًا سوف تندم إن لم تحسن إدارة وقتك.
يقول ضحي: الآن هل عرفتم من هو قاتل الشغف؟!