تغذية راجعة

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

علّمتني مدرسة الحياة والجلوس مع الأحياء وكذلك مادة الأحياء أنّ المواقف التي تصادفني فيها، والتي أُبصرها بعينيْ اللتين سكنتا في رأسي، وأسمعها بأذنيْ اللتين كنافذتين في طابق علوي، لا أسمح للمواقف التي تُحدث صدى في نفسي بالمرور إلا بعد أخذ الدرس والعبرة منها سمحت بذلك أو لم تسمح.

وأقرب حدث لنا كان له ذلك الوقع الكبير على النفس هو عيد الأضحى المبارك، وما تخلله من إغلاق كامل حفظًا للأنفس من انتشار لهذه الجائحة التي أكلت الأخضر واليابس من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين.

أمّا الدرس الذي استقيته وتجرعت تفاصيله؛ فهو أنّ الناس كل الناس لم يصدّقوا أنهم مُنِعوا من الحركة والتزاور والتداخل بينهم وبين جيرانهم وأقاربهم وأرحامهم الذي هو شعار العيد وسنة من سننه المحببة؛ وكأنّي ولسان حال النَّاس يحدثني هذه المرة جهرا لا سرا، أن المجاملات وتحمّل الأعباء الكبيرة التي يُطيقون بعضها وما لا يطيقون معظمها، والتي أصبح العيد بسببها عبئا وحملا ويوما ثقيلا على أولياء الأمور، اختفت بسبب هذا الإغلاق الكامل؛ فكان كالمِنْحة في ثوب مِحْنة لهم (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).

لكن اللافت للنظر أن البعض- وأقول البعض- لم يُصدّقوا أنّ الحكومة أعلنت الإغلاق الكامل شعارًا يتخلل الأيام المعدودات؛ فقتل العيد وبهجته وسعادته في نفسه وفي أولاده، ونسي أو تناسى أنّ تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، وحمّل الحكومة اختطاف فرحة العيد السعيد، التي يفترض أن يخلقها الإنسان في باطنه مستشعرا عظمة تلك الأيام المباركات، متعلقاً قلبه مع الحجاج يلبي معهم، ويحط أينما حطوا وينزل أينما نزلوا؛ فهو معهم بقلبه يحجّ كما حجّوا؛ تلك السعادة التي اتّهم الحكومة- باطلا- باخطتافها منه ومن أفواه أبنائه، والحقيقة، أنه هو من قتلها في أبنائه حينما أصبح نائماً، لم يكترث بصلاة عيد ولم يرتدِ لبسًا جديداً يليق بمناسبة عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات.

وثمّة سببان أضعهما بين أيديكم لهذا الموضوع، أولاً: أنّ الأعباء الكبيرة جعلت ما يسمونه بفاتورة العيد ثقيلة، وعندما حدث الإغلاق تنفس البعض الصعداء وأغلقوا على أنفسهم، وحمّلوا الحكومة وجعلوها شماعة لغرضهم؛ فلا صدّق ولا صام، ولا صلى ولا قام؛ فرآها فرصة مواتية للتخلص من التبعات التي كسرت كاهله.

ثانيا: الجهل بتعظيم شعائر العيد التي لا دخل لها لا بالإغلاق الكامل ولابارتفاع فاتورة العيد، والعيد منها ومن تصرفاتهم براء؛ فالحكومة لم تمنعهم من الفرحة وإدخال البسمة على شفاه أسرهم. وما أكثر المواقف التي نستلهم منها الدروس والمواعظ؛ فهي مُطروحة في الطرقات لمن أراد أن يعتبر منها.