العيد والمطر

 

سالم بن نجيم البادي

العيد والمطر ورعد وبرق ورياح هادئة والشمس على وشك الغروب، إنه العيد والحظر المُطلق وضحي يجلس على ضفاف الوادي الواقع أسفل بيته يقول هذا خوفاً من أن يتهم بخرق الحظر الوادي الذي سال للتو فتدفقت المياه فيه بقوة عارمة وهدير أفكاره كهدير هذه المياه.

عيد ومطر والبعد والفقد والغياب وسطوة الأشواق إلى من حال بينه وبينهم الحظر وجور الزمان كان يُمني النفس باللقاء في العيد ليصبح العيد عيدين بل ثلاثة أعياد عيد ومطر ولقاء بعد الانتظار المر والمطر يشعل جذوة الحنين ويحثه على الرحيل إلى حيث يسكن فؤاده فيلحق الجسد بالقلب والروح ويجتمعون مع من يحب. العيد الذي لا يسأله ضحي لماذا عاد وبأية حال عاد فهو مؤمن شديد الإيمان والعيد شعيرة إسلامية وهو يحاول أن يلبس لباس التقوى ويمارس طقوس العيد مثل إسعاد أهل البيت والتوسعة في النفقة وتوفير مستلزمات العيد والأضحية والمشاكيك والتنور والتواصل مع الأهل والأقارب والأصدقاء، ويجتهد حتى لا ينسى أحدهم، ويحاول أن يطرد الحزن من أجل العيد والمطر لكنه يتسلل إليه بكل جبروت حين يصل إليه نعي زميل شاب قد مات بسبب كورونا.

كان قد سئم من الحزن والتعازي ويريد أن ينفرد بنفسه وذكرياته المتوقدة بسبب العيد والمطر وقد ضاق صدره لكثرة الموتى بسبب كورونا، وتعبت نفسه من تذمر الناس وطول شكواهم وصلته رسائل لوم بل تنمر إلا أنه جاهر بتأييده للإغلاق التام.

أرسل إليه أحدهم يقول لقد طال الغلاء كل شيء حتى حلاقة اللحية صارت ٧٠٠ أو ٨٠٠ بيسة بعد أن كانت ٥٠٠ بيسة وسلال الفاكهة ثمنها ٧ ريالات بعد أن كان ٥ ريالات مع غلاء البترول وآخر تطرق إلى قضايا أخرى ومنها الصحة والاتصالات والطريق الذي لم يعبد حتى الآن في قريتهم وضعف شبكة الإنترنت.

"الدنيا عيد افرحوا واتركوا هذه الأمور لوقت آخر يا إخواني"، قال لهم ضحي.

وحكى له آخر كيف أنه لم يخط دشداشة للعيد ونسي حتى أن يشتري نعالاً جديدة، وتحدث آخر عن الزحام الشديد في الأسواق قبيل العيد وقد ترك السوق وفرَّ من الزحام وتذكر ضحي نصيحة شقيقه عندما قال له لا تكن بوقًا للمتذمرين من كل شيء اسألهم عما قدموه هم للوطن وما الأعمال الجليلة التي قاموا بها وما هي الأفكار المبدعة التي جادت بها عقولهم الفذة والاقتراحات والحلول التي يعتقدون أنها تسهم في حل كل المشاكل في البلد ما أسهل الشكوى والتبرم والنقد من أجل النقد وإلقاء اللوم كل اللوم على الحكومة وبدل ما جالسين يببقوا بالكلام وتارسين وسائل التواصل الاجتماعي سلبية واتكالية وانتظار أن تمطر السماء ذهبًا وفضة خلهم يشتغلوا ويبدعوا وينتجوا.

صمت ضحي وزادت حيرته.

وتتوالى أخبار ضحايا كورونا وأعداد المصابين والذين في العناية المركزة، وتنتشر صور الأمطار ومقاطع الفيديو للأودية وبعض العالقين فيها نتيجة المجازفة والتهور وبعض الأضرار في الممتلكات والبيوت.

وتظهر قضية الإلحاد والزندقة والتطاول على الذات الإلهية والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعض رموز البلد ويعود الحديث عن الحركة النسوية والتحرر والدعوة للتمرد على الأخلاق والقيم والأعراف والتقاليد. وكالعادة تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بين أخذ ورد وجدل وطرح الأسئلة مثل لماذا لا تطبق القوانين في حق هؤلاء؟ هل أعداد هؤلاء كبيرة في المجتمع العماني مع موجة الرفض لأفكارهم.

ما هو تأثيرهم على الناس؟ هل هناك مبالغة في تعظيم خطرهم؟ من هم هؤلاء هل هم أفراد أو جماعات أو تنظيم؟ هل هم زوبعة في فنجان؟ لماذا كل هذا الاهتمام والتهويل والضجيج؟  وهل يجوز لنا أن نستحضر في هذه الحالة القول المنسوب إلى عمر بن الخطاب رضي عنه أميتوا الباطل بالسكوت عنه..

ويستمر ضحي في الخيال ويحن إلى الهدوء والسكينة والسلام النفسي مع وجود العيد والمطر وتحدثه نفسه بإلقاء هاتفه في مياه الوادي الهادرة ليتخلص منه إلى الأبد ويبقى مع ذكرياته وحنينه وأشواقه والعيد والمطر بعيداً عن صخب الحياة.