من المسؤول؟!

يحيى الناعبي

 

أتمنى فعلا، بحلول نشر هذا المقال، أن تكون عُمان قد بدأت بالتعافي من الهجمة الشرسة التي شنّها هذا الوباء على البيت العُماني. فما حدث أو يحدث هو كارثة بحق، لو حسبناها بطريقة النسبة والتناسب لعدد الوفيات مقارنة بالكثافة السكانية. ومن ثم نسأل، لمن ينسب السبب في الوصول إلى هذه المرحلة؟  

هذا سيعيدنا إلى الجدل البيزنطي حول السؤال الدي حير العالم منذ فلاسفة الرومان وربما قبل ذلك، عمّن أتى أولا: البيضة أم الدجاجة؟

الحكومة تقول إن المواطن لم يلتزم بالتعليمات الموجهة إليه سواء من المؤسسة الرسمية واللجنة المكلفة لبحث تطورات فيروس كورونا وآلية التعامل في مكافحة انتشاره. في المقابل، نجد أن المواطن يُلقي باللوم على المؤسسة الرسمية بالتأخر في توفير اللقاح، وعدم تمكنها من وضع آلية تحد من انتشاره بعيدا عن تعطل مصالحه وخصوصا الاقتصادية، مع نيته الالتزام على مستوى النواحي الاجتماعية من حيث تقليل الزيارات والحد من المناسبات، وغيرها من البرامج اليومية الاعتيادية.

طبعًا، الوصول إلى قناعة محددة للإجابة عمن تكون عليه المسؤولية غير موجودة على الإطلاق. ولن يستطيع أيًا من كان أن يُحدد من المسؤول؛ لأن الجميع مقتنع تماما من قيامه بالمهمة على أكمل وجه سواء من الجانب الحكومي أو من المواطنين والتزامهم بالتعليمات. لست بصدد تحيّز نحو طرف ما ولا بد ّ أن نكون واقعيين وموضوعيين.

لو تأملنا معطيات الحدث، ابتداءً بعدم تمكن الحكومة من توفير اللقاحات مبكرا، بسبب الظروف التي بررتها الجهة المسؤولة. ثم مررنا بالآلية التي خطتها اللجنة نحو الحد من اتساع رقعة الفيروس، وانتهاء بالمواطنين وتجاوزاتهم في تخطي بعض التعليمات وعدم الالتزام بالإرشادات. أعتقد أن جميع الأطراف (الحكومة والمواطن) غير مسؤولة وكل طرف له مُبرراته.

يبقى السؤال: ألم يكن هناك انحدار شديد على مستوى أرقام الوفيات بعيدا عن النسبة المقبولة مقارنة لعدد السكان؟

في الوقت الذي كنت أستمع إلى البعض وهو يتناقل المراكز التي وصلت إليها السلطنة بين المراكز الدولية والعربية والخليجية في مستوى الإصابات، كنت أفكر في ذلك الإنسان الذي مات وترك فراغًا مكلومًا بالحزن والأسى لأسرته وذويه.

إذن، علينا أن نراجع أدواتنا ونبحث عن المصدر السببي لهذه النتيجة، هل فعّلت اللجنة العُليا خططها بناء على خطط واستشارات، أم هي محاذير وإجراءات وخطة عمل وليدة الموقف؟

في الحقيقة لا يوجد عمل في الكرة الأرضية يستعصي إنجازه، لكن السؤال حول مدى جودة هذا العمل من حيث نسبة نجاحه ومعدل تقدمه؟ حتى الآن وللأسف لم نستطع أن نفرق بين الإنجاز والجودة، فمن يظن أنه أنجز عمله، انتهت مهمته دون أن يراجع ما أنجزه (هو يظن). الإخفاقات التي تحدث ليس لأن العمل لم ينجز، بل لأنه لم يحقق النتيجة المرجوة منها بحسب المعطيات والتحديات. وهذا ينطبق على آلية العمل المشتركة لمواجهة كورونا، والمحصلة تجاوز في عدد الوفيات. ولكي نكون منصفين لا نحمل عبء ما حدث المؤسسة الرسمية، فهي لم تنزل من السماء بل هي نتاج تراكم إداري مؤسسي مبني على أسس ومعايير طوال عقود، وهذا ما استخلصته في مواجهة الأزمة.

أما المواطن ومن باب الإنصاف أيضًا فهو نتاج مراحل تعليمية (ثقافية، توعوية)، واجتماعية، وسياسية أوصلته إلى هذه المرحلة في التعاطي مع الأزمة، وبالتالي تساوت الأطراف في تراجع مستوى المسؤولية.

إن التراكم في تأصيل المركزيّة في المسؤولية، ليس وليد اللحظة؛ بل هو متأصل، لذلك تجد من كان مسؤولا في وظيفة ما (لا يشترط في مسؤوليته أن يكون ذا منصب بل يكفي مسؤوليته تجاه الوظيفة التي كان يمتهنها أيا كانت)، تجده الآن ناقدًا في مواقع التواصل، والوسائل الإعلامية التقليدية أو حتى في المجالس الشعبية، تجده ناقدًا حاذقًا وكأنّما هو متخصصٌ في علوم النقد وضليعا في أسلوبه. والحقيقة، أنه أمام مرآة نفسه يتذكر كل الأخطاء التي كان يرتكبها في حق الوظيفة، والممارسات التي كان يتجاوزها آنذاك واليوم أصبح يذوق مر كأس أفعاله.

إن المركزية ولّدت التسلّط والأنانية وصولا إلى الوهم الكبير بالمعرفة، والاطلاع لكل ما يقع تحت سلطته، وهذا الذي أوصل هذه المجتمعات إلى الانزلاق نحو الأبوية والوصاية.  

ختامًا.. الجميع مسؤولا عمّا وصلت إليه الأمور، مالم تكن هناك شراكة فالمسؤول مواطن والمواطن مسؤول.