عُمان والسعودية.. سياسة الحكمة

 

د. صالح الفهدي

حينَ تُدارُ السياسةُ بالحكمةِ تُثمر، وتؤتي أُكلها كلَّ حينٍ، بما يتوافق مع مصالح الأَطراف المشتركة. وقد تختلفُ الدولُ في ما بينها، وهذا أمرٌ طبيعي؛ إذ إنَّ الاختلافَ معهودٌ في الأُسرةِ الواحدة، فكيفَ به بين دولٍ بحالها، بيدَ أنَّ الحكمة تقتضي إبقاء العلاقات المستمرة على اختلاف مستوياتها بين الدول حتى لا تنقطع الصِّلات، وتجتُّث الأواصر، فلا يعود بينهما من واصلٍ، ولا وسيط سوى طرفٍ ثالث.

ولا شكَّ أنَّ الحكمة هي محرِّك العلاقات العُمانية السعودية إذ استطاعت هذه الحكمة أن تتعاطى مع قضايا مختلفة برويَّةٍ، وحُنكةٍ وهدوء، فأبعدتها عن الانفعالات والتشنُّجات، وجعلتها تسيرُ في طريقٍ معبَّدٍ من الثقةِ والاحترام المتبادلين، وهذا ما كفَلَ لها إبقاء العلاقات المشتركة صامدةً رغم ما يُحيطُ بالمنطقةِ من تغيُّراتٍ وتقلبُّات.

لقد كانت المملكة العربية السعودية دائماً وأبداً في صدارة أولويات السياسة العُمانية، وهذا ما جعل السُّلطان قابوس بن سعيد- طيَّب الله ثراه- القيام بأول زيارةٍ له لأخيه الملك فيصل في بداية حُكمه، وها نحن نشهد قيام جلالة السُّلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- بأول زيارة له أيضًا لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ وهي أول زيارةٍ رسمية لجلالته بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد.

هذا الأمر يعطي دلالةً بيِّنةً بأنَّ الدولتان تشكِّلان عمقاً استراتيجياً واحداً، ووجوداً مصيرياً مشتركاً، وأن تطوير العلاقات بينهما في شتى الصُّعُد هو أمرٌ لا مندوحةَ عنه؛ لأنه سيشِّكل منافذَ ومعابرَ ومصادر لكلا البلدين الشقيقين. ومن نافلةِ القولِ إنَّ جذور العلاقات العُمانية السعودية راسخةٌ منذ عقود طويلة، وهي تشهدُ تحسُّناً تصاعدياً، وتطوُّراً نوعياً لحكمةٍ وحنكةٍ من قادتها، إدراكاً لما يربطُ هذه العلاقات من عوامل وجودية، مصيرية بين الشعبين الشقيقين، والقضايا المشتركة ذات الأبعاد العميقة سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، واجتماعياً.

وليس خافٍ على أحد أنَّ المرحلة التي تمرُّ عليها دولنا حسَّاسةٌ جداً في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والعسكرية؛ نظراً للمتغيرات التي يشهدها العالم عامَّة، والمنطقة الخليجية خاصَّة مما يؤثر على تنمية البلدين، والرؤى البعيدة الأمد التي جعلت منها منطلقاً لتنميتها وتنويع اقتصادياتها، وحلاً لمشكلاتها الرئيسة، ووفقاً لهذه الظروف والتداعيات تشكِّل الزيارة في هذا الوقت عامل اطمئنانٍ للشعبين الشقيقين، ومتنفساً للتعاون المشترك بينهما.

يتطلَّع الجميع في البلدين الشقيقين إلى النتائج الواقعية التي ستتمخض عنها هذه الزيارة التاريخية الكريمة، وإلى ثمار العمل المشترك الذي ستضعُ له هذه الزيارة حجر الأساس، وإلى طبيعة التعاون النوعي بين الدولتين، والمشاريع الجبارة القادمة، في إطارٍ من التفاؤل المشترك بمستقبل واعدٍ بالفرص، مليءٍ بالفرص المستثمرة أفضل استثمار بين البلدين والتي ستصبُّ بلا شك في مصلحة العلاقات البينية فتزيدها متانةً، ورسوخاً.