داء الكتابة

 

سالم بن نجيم البادي

وهل الكتابة داء؟ نعم داء لا يُمكن الشفاء منه ومن ابتلي بالكتابة فلا عزاء له وكان الله في عونه إذ إنه يمشي.حذرًا متوجسًا وهو يتلفت ذات اليمين وذات الشمال تتقاذفه رياح القلق والخوف والترقب وكأنه يسير على الأشواك تطارده الرقابة الذاتية وغير الذاتية وهو يخشى الزلل والسقوط.

وتحاصره لوحات كتب عليها ممنوع الاقتراب وعبر التاريخ كان الكتاب وأصحاب الرأي هم أكثر زوار السجون والنفي والمطاردة وسلاح الكلمة هو أقوى سلاح في وجه الطغاة والمجرمين ومصاصي دماء الشعوب والقطط السمان وأرباب الظلم وأهل الفساد وزعماء العصابات وأمراء الحروب وأهل البذخ والبروج العاجية والذين اختارهم القدر لتولي خدمة الناس لكنهم خدموا أنفسهم وذويهم ومعارفهم ونهبوا وسرقوا واختلسوا.

وحتى النقد للأوضاع في بلد ما يخلق للكاتب ألف عدو وألف تهمة مثل الشك في وطنيته وبث روح الانهزامية والتحريض وتعكير صفو وأمن وسلام المجتمع وهو من أشد الناس وطنية وإخلاصا والتصاقاً بالبسطاء والفقراء والمساكين والكاتب صوت من لا صوت لهم وهو الناطق باسم الغلابة والمساكين والذين لا يتكلمون عجزًا أو خوفًا أو قلة حيلة، وهو يحمل هم الإنسانية وآمال وتطلعات النَّاس ويغوص في أعماق النفس البشرية ويقرأ الوجوه ويبحث عن الجمال ويُحارب القبح دليله في كل ذلك روحه الشفافة التي تخترق الحجب فيرى الكاتب ما لا يراه غيره.

والكاتب قد يضطر في أحيان كثيرة إلى المهادنة والتحايل واللجوء إلى الرموز واللف والدوران والتلميح واللبيب بالإشارة يفهم.

دخلت في حوار مع الكاتب عبد الله الفارسي بعد أن كتب مقالا بعنوان "الكتابة مشروع خاسر" وأن الكتابة ما تأكل عيش وسرد قصة كاتب ترك الكتابة إلى الأبد كما أثار خوفي بعد أن صارحني بأنَّه يتمنى أن ياتي اليوم الذي يترك فيه الكتابة غير أني أشك في أن الكاتب يستطيع التوقف عن الكتابة بعد أن يُصاب بفيروس الكتابة. العصي على كل لقاح قد يتوقف الكاتب عن النشر لفترة ما.

لكنه يبقى كاتبًا وعقله يموج بأفكار تلح عليه في الخروج وقد تكون أدراجه مليئة بالأوراق الحبلى بالمقالات أو الروايات والقصص وربما القصائد أو العلوم المختلفة وقد تكون هذه الكتابات ممنوعة والكاتب يعلم أنه لو حاول نشرها سوف تجلب له المزيد من المتاعب، أعرف كاتبا توقف عن الكتابة بعد أن كتب كتابًا واحدًا منذ سنوات طويلة وقد كان رائدًا في مجاله وكل محاولات جعله يعود للكتابة باءت بالفشل وهذا استثناء وربما يعود ذات يوم وكاتب آخر توقف مجبرًا وآخر توقف لأنهم لم يتركوه يكتب ما يريد وهو صعب المراس ولايقبل الترويض.

إنَّ توبة الكاتب عن الكتابة هي توبة كاذبة وخادعة وسوف يعود للكتابة ويبقى مدافعًا عن الحق والخير والعدل ونصيرًا للبؤساء والمظلومين والمسحوقين.

وضحي هو الآخر كثيرا ما يُفكر في ترك الكتابة لكنه. يعود للكتابة حين تصل إليه محادثات ورسائل تطلب منه أن يكتب عن المواضيع التي تمس حياة الناس وأوجاعهم المكبوتة لا يعرفون كيف يعبرون عنها.

وهذا بحد ذاته يعد حافزاً للاستمرار في الكتابة ويؤكد أهمية الكتابة والكلمة وقد سأله أحد القراء هل حدث أن تعرضت للمساءلة أو تلميحات بذلك بسبب الكتابة.

ورد ضحي بتعجب ودهشة واستنكار للسؤال "ليش؟! أنا ما مسوي شيء غلط!!".