إسماعيل بن شهاب البلوشي
قال تعالى في محكم كتابه العزيز: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" صدق الله العظيم.
لا شك أنَّ مرحلة الرسل والوحي قد انتهت بعد رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ولكن مخاطبة الخالق لبشره باقية إلى يوم الدين وأن آياته ودلائل عظمته تصل إلينا بمختلف المعطيات في أنفسنا وفي كل ماحولنا وما علينا إلا أن نتفكر ونرى لنعرف كل شيء.
وإننا وإذا أبحرنا وتعمقنا في آياته لوجدنا أمره في البحث والمعرفة واحداً من أسس الحياة بل هو من أهم السبل لاستمرارها وعلينا أن نحسن الخيار بين أن نجمد تلك العقول أو نطلق لها العنان للمعرفة ومسايرة ما هو جديد في التطور الذي تشهده الإنسانية وكذلك ومن خلاله علينا أن نقرر بين ما هو المفيد وما هو الأفضل وعكس ذلك هو أن نبقى أجيالاً متلقية لما يحدث في العالم ومستقبلة لكل شيء ومستهلكة لكل شيء من علمٍ ومعرفة ومقتنيات وحتى في جوانب السلوك الاجتماعي وهذا ما يتمناه محاربو التغيير. وهناك من يرى أن مناقشة بعض الجوانب في الحياة أمر محاط بالخطوط الحمراء في حين أن ذلك يتعارض مع المصلحة العليا لكل مجتمعٍ ودولة، إن سن الزواج القانوني اليوم هو الثامنة عشرة ولعلي أتلمس السبب إلى ذلك أن الشاب قد أكمل تعليمه ما قبل الجامعي وأنه لو تزوج أو تزوجت قبل ذلك فيمكن أن يحرم أو تحرم من اكمال التعليم وكذلك أسباب أخرى ولأننا اليوم في مراجعة شاملة للإستراتيجية التعليمية فإني أرى أن نقوم بإعطاء، هذا الجانب أهمية لكي نجمع ما بين حقوق الشباب في التعليم وكذلك الجوانب الاجتماعية الأخرى.
وعلى الرغم من أنني قطعًا لن أكون الموصي بسن معين للزواج؛ لأن الأمر به الكثير من الحقائق والمصالح والحقوق لكل أسرة، غير أني أطلب من الجميع النظر بأعينٍ مفتوحة وقلوبٍ واعية بما يتناسب مع إيقاع الزمن ومساير للمرحلة التي فرضت فيها وسائل التواصل الاجتماعي والتطورات الأخرى، اختلافاً مرحلياً في سن النضج والمعرفة، والتي حتماً يسايرها الكثير، وهذا واقع وتحدٍ فرض نفسه وبقوة على نمط الحياة. ولذلك فإنه أيضًا علينا إلا نحمِّل فلذات أكبادنا فوق ما يحتملون؛ ذلك أن التربية والتوجيه لم نعد نملك منهما الكثير من الخصوصية، مهما اعتقدنا ومهما كانت أمنياتنا؛ لأن الكم الهائل من المعلومات وما يتم بثه في العالم اليوم جعل من الانفتاح الفكري واقعًا لا مناص منه، وما علينا سوى أن نتعامل معه ونواجهه بما يلزم وفي كل شيء.
وإني لأعتقد أنَّ الزواج المبكر (وفق السن المعقول) وحسب الكثير من التجارب كان من أفضل وأنجح أنواع الزواج، وقد يكون السبب الأول أن الامتزاج والتقاء الفكر وتطوره بين الشريكين يكون بقبول أسهل؛ لأنه لم يستمد الكثير من معترك الحياة أو توجيه تربوي موجه. الأمر الآخر هو أن الشباب وبعد إكمالهم للصف الثاني عشر وتوجههم إلى الجامعة يعد نقلة كبيرة وتغيرًا دون إعدادٍ كامل بين حياة المنزل والقرى مثلاً، ووجود هؤلاء الشباب بعيدًا عن أهاليهم وبحياةٍ جديدة ومختلفة تماماً، وذلك ليس بالأمر السهل- كما يعتقد البعض- ولو أن الأمر ارتبط بالزواج لكان الأمر أسهل بكثير. وإذا كان الفكر يذهب إلى مسألة المقدرة على تكلفة الزواج وإدامته، فإنه ولذلك أوجد الفارق المناسب بين الرجل والمرأة في السن. ففي حين أن يكون الشاب على مقدرة واستعداد للزواج فإنَّ الشابة تكون في السن المناسب لإكمال دورة الحياة الطبيعية. وعلى أي حال، فإن إعطاء مساحة واسعة لسن الزواج بعد الدراسة الميدانية، لا يعني بأي حال من الأحوال إلزامًا أو حتى ارتباطًا بأي أمر؛ فكل أسرة لها نظرتها وخصوصيتها ومصلحتها، وهي الأساس فيما ترى وتقرر.
غير أنه- ومن جانب آخر- حماية لحقوق آخرين يرون الأمر من زاوية الرغبة أو الظروف للزواج في سن أقرب، وهذا مهم جداً لهم ومن مختلف الجوانب، فظروف ومصالح البشر لها خصوصية وتباين كبير، وبذلك تكون القوانين حامية للجميع، وإذا اعتقد البعض أنه كلما تقدَّم السن- خاصةً للبنت بعد الجامعة- كان الوضع إيجابياً؛ وذلك للاستعداد بوقتٍ كافٍ للزواج، فهو على صواب من ناحية، لكن من ناحية أخرى فإن التأخر يفاقم الشعور بقلة الحماس للزواج، كما لو كانت الأمور في سنٍ أقل!! ونعم أن الزواج يمكن أن يكون طبيعياً جداً حتى بعد سن الأربعين، ومع جُلّ ذلك، فإنَّ المراجعة والدراسة علمياً وميدانياً والمسح المتخصص والمتقن في مثل هذه الجوانب والتي تقرأ بعينٍ فاحصة ومن كل الزوايا؛ أمر في غاية الأهمية. وإذا وجدنا أن قراراتنا ما زالت صالحة، فذلك يدعو إلى الاطمئنان، وإن كان غير ذلك عدّلنا ما هو بحاجة إلى تعديل، كما إنني أتمنى أن تكون قائمة الدول العربية والإسلامية في هذا المجال حاضرة خلال الدراسة. والله الموفق.