طالب المقبالي
منذ بدء جائحة كورونا واجتياحها العالم، وما تشهده الطواقم الطبية في مستشفيات السلطنة ضمن هذا النسيج العالمي الذي يُعاني منذ بدء الجائحة فإنَّ هناك جنودًا في الخفاء يعايشون هذه الجائحة لحظة بلحظة بكل تفاصيلها، وما تخلفه من مآسٍ يومية من خلال تزايد أعداد المصابين بهذا الوباء، وارتفاع أعداد المنومين في العناية المركزية، وأعداد الوفيات التي تشهدها مستشفيات السلطنة في كل يوم.
هؤلاء الجنود الذين يعملون خلف الكواليس هم في الخط الأمامي لمُواجهة الحرب الضروس التي تشنها كورونا وتحوراتها، وقد حرموا من أبسط حقوقهم وهو الاستمتاع بإجازاتهم المشروعة كبقية الموظفين، في حين ننعم نحن بكل مقومات الراحة، وما زال البعض مستهترًا ويخالط ويجلب الأمراض للآخرين، ويكبد هذه الطواقم أعباءً إضافية فوق أعبائهم التي يعايشونها منذ عام ونصف العام.
في الجانب الآخر هناك جنود آخرين في فوهة المدفع ولا يتقاضون أي مقابل مادي، وهم المتطوعون لتغسيل وتكفين ودفن موتى كورونا، فهم بالكاد يفرغون من مواراة الجثمان الأول حتى يأتيهم جثمان ثانٍ وثالث ورابع، أسأل الله تعالى أن يحفظهم وأن يجزيهم خير الجزاء.
لقد أصبحنا نترقب الأخبار وقلوبنا ترجف خوفًا وهلعًا من الصدمات التي تطالعنا بها يوميًا وسائل الإعلام من تزايد كبير في أعداد الوفيات والذي يتجاوز أربعين حالة وفاة في اليوم أحيانًا، مما يعني تزايدًا في أعداد المنومين في العناية المركزة يوميًا، وهو رقم مخيف ينبئ بكارثة كبيرة قد لا تستطيع الطواقم الطبية والمستشفيات استيعابها.
ففي العام 2020 كانت الأرقام قد وصلت إلى سقف مُعين ثم بدأت في النزول جراء الاحتياطات والإجراءات التي اتخذت في عُمان والعالم، وقد ذكرتُ هذه الإجراءات في مقال سابق نشرته العام الماضي ونصه:كورونا "كوفيد19" فرق الجماعات، وقطع صلة الأرحام، وأغلق المساجد والمطارات والحدود البرية والبحرية والجوية، وأغلق الأسواق والمتاجر وقاعات الأفراح، والمدارس والكليات والجامعات، وأغلق المحافظات والولايات، وفرض حظر التجول في وقت السلم.
فتعيش عُمان وسائر دول العالم موجة جديدة من تفشي جائحة كوفيد19، فحسب المؤشرات فإنَّ أعداد الإصابات تنذر بالخطر الذي تهاون منه الكثير من الناس.
فهل يتوجب أن يدخل كورونا البيوت ويشهد كل بيت حالة وفاة حتى نحتاط ونتبع الإرشادات؟
أما اليوم ونحن نعيش الموجتين الثالثة وربما الرابعة من خلال التحورات التي تشهدها كورونا ومن بينها دلتا الهند ودلتا بلس وهما الأخطر فتكًا بالبشر، مما يتطلب منِّا أخذ الكثير من الاحتياطات اللازمة، والإجراءات الوقائية، فقد وصلنا إلى ما ذكرته في مقالي السابق من خوف خروج جنازة من كل بيت، فقد أصبحنا نشهد أكثر من جنازة تخرج من كل بيت، فقبل أيام قليلة ودعنا أقارب من بيت واحد بين كل منهما ليلتين فقط، وأنا أكتب هذا المقال تلقيت نبأ وفاة ثلاثة أشخاص في ولاية الرستاق وحدها، ونحن ما زلنا في مقتبل نهار هذا اليوم.
لقد قرأنا وسمعنا وشاهدنا أخبارًا عن بلوغ بعض المستشفيات بالسلطنة طاقتها الاستيعابية القصوى من أعداد الإصابات والمنومين بالعناية المركزة، مما حدا بوزارة الصحة إلى تحويل بعض مرافق المستشفيات إلى أماكن لترقيد المصابين الجُدد، كما تم إنشاء مستشفيات ميدانية لاستيعاب الأعداد المتزايدة والتي تحتاج إلى التنويم.
فكم نتمنى من المواطنين والمقيمين أن يكونوا أكثر وعيًا وإدراكًا لخطورة الوضع، فما زالت طواقمنا الطبية ومستشفياتنا قادرة لاحتواء الوضع قبل وقوع الكارثة، ولكن إلى متى؟
الكل يُخطط ويمنِّي النفس أن يخرج في رحلة استجمام، وهناك قوافل بدأت تتجه إلى محافظة ظفار من أجل الاصطياف والتمتع بالأجواء الخريفية، ولكن يجب أن نضع نصب أعيننا أنَّ الخطر محدق بنا أينما كنَّا، وقد نشرتُ تغريدةً عبر تويتر في شهر مارس الماضي اقترحت فيها على اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19) بعدم السماح بدخول صلالة، إلا لمن يحملون شهادات التطعيم كجواز عبور، وكذلك منع دخول المولات وصالات الألعاب ومحلات بيع الملابس والكماليات إلا بعد إبراز شهادة التطعيم.
وهذا المقترح في نظري أهون من الغلق التام الذي سيُؤثر على حياتنا اليومية في جميع تفاصيلها الخاصة والعامة.