الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)
"شَبك، شَبك سيدة البحار شَبك".. هذه ليست طلاسم أو تعويذة ولا هي تمتمات ساحر وإن كنت أتمنى أن تكون تميمةً للحظ، فـ"التشبيك" هو "تركيب شبكتين أو أكثر متشابهتين ومتصلتين مع بعضهما البعض"؛ وهي مهارة بناء علاقات منفعية مُتبادلة، تقوم على تطوير الاتصالات الاجتماعية والمهنية؛ وذلك من خلال التَّواصل مع الآخرين. فن "التشبيك" هو جوهر العلاقات، يُساعد على بناء شبكات تواصل وتبادل للمعلومات والأفكار مع شركاء مُحتملين ومُختلفين، مما يُسهم في تطوير العمل وخلق فرص الاستثمار والتبادل التجاري.
للتشبيك أهمية وفوائد منها أنه يُساعد على خلق فرص استثمارية من خلال بناء فرص عمل وشراكة مع مستثمرين آخرين، ويساعد على بناء سمعة جيدة للشركة التي يملكها المُنتفع فيسهل الترويج والتسويق للعمل التجاري. وكما يتضح فإنَّ التشبيك هو نظام أو دائرة أو شبكة علاقات تقوم على أسس ومعايير اقتصادية وتجارية تخدم التاجر والمستثمر، وفي قلبها هي لا تختلف عن نظام العلاقات العامة، والعائلية وحلقة الأصدقاء المقربين.
برع التاجر العُماني منذ القدم باستخدام فن ومهارة "التشبيك بالفطرة، لذا انتشر وتوغل التجار العمانيين إلى قلب أفريقيا مثل رواندا وبوروندي وغيرها، وتجد موطأ أقدامهم في شرق آسيا وصولاً إلى الصين. وبغض النظر عن عملية التشويه المُمنهجة إبَّان التدخل الأوروبي في أفريقيا ومحاولتهم طمس حقيقة التواجد العُماني التجاري والدعوي في الداخل الأفريقي والتي تكللت بالفشل جزئيًا.
البحر رئة عُمان عبر التاريخ -وما زالت- والتجارة الهواء الذي يشبع رئتها بعطاءٍ لا ينضب، تميز التُجار العمانيون بنظام "التشبيك" ضمن العائلة الواحدة، وعمارة "طالب" في مطرح أكبر شاهد في عصرنا الحديث على ذلك. عمارة طالب لمالكها طالب الزكواني وهو أحد أكبر تُجار التمور في الأربعينات والخمسينات، وهما أخوان من الرستاق أحدهما كان في عُمان يقوم بدور المُصدر بينما أخوه في "بومباي بالهند" يقوم بدور الموزع. ولا يجهل أحد العلامة التجارية "شاي ممتاز" وهي شراكة بين شقيقين الأول يُدير مزارع للشاي في "بوروندي" في شرق أفريقيا والأخ الثاني يُدير مصنعاً الشاي في منطقة الرسيل الصناعية.
القوة الناعمة سلاح مُؤثر يُحقق فيها المبتغى دون إكراه وتعتمد على الجذب والإقناع، وعمان تتمتع بركائز غنية وخصبة ومخزون معرفي متعاقب ومتوارث بالقوة الناعمة وكذلك لديها شبكات "تشبيك" ذات متانة ممتدة عبر تاريخيها التجاري والبحري ولديها أجيال متعاقبة وروابط مشتركة ومستمرة ومتشعبة في أرجاء مختلفة من الأرض.
سيساهم شبكة "التشبيك العائلي" و"قوته الناعمة" وما لهما من أثر عميقٍ وفعال في خلق فرص استثمارية وتجارية جديدة وفريدة، ويربط مناطق النفوذ والتبادل التجاري النشطة قديماً بالحديثة. وإذا قسنا عليه إمكانية بعث وإحياء وتنشيط شبكات "التشبيك" المبنية على قاعدة عظيمة من الإرث التاريخي والتجاري وتحديثها وفق أسس علمية اقتصادية متطورة، وبالتالي خلق دائرة تبادل معلوماتية تجارية واقتصادية بين أجيال ممتدة وبدماء عمانية انتشرت سابقاً في رقع مختلفة من العالم، في كل من الصين، وشرق آسيا، وشرق أفريقيا. إنَّ إحياء التشبيك بمعايير حديثة متطورة هو كإعادة التاريخ وقولبته وتبسيطه وتفعيله وإعادة إحيائه بزخم جديد وآليات وقواعد حديثة ما هو إلا إرساء لركائز راسخة وولاء وانتماء موحد.