التعليم المهني والتقني

 

علي بن حمد بن عبدالله المسلمي

ali-almuslmi@moe.om

في إطار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- نحو فتح مسارات للتعليم التقني والمهني لطلبة التعليم ما بعد الأساسي في السلطنة، ورؤيته الحكيمة في رفع مستوى جودة التعليم بمُختلف أنواعه؛ لمواءمة مدخلات النظام التعليمي في السلطنة مع مخرجاته؛ تلبية لمتطلبات سوق العمل العُماني والعالمي من العمالة الماهرة وشبه الماهرة، لاستقطاب الكفاءات العُمانية محليًّا وخليجيًّا ودوليًّا، ولإيجاد حلول للباحثين عن عمل طويلة الأمد، وتثمينًا لذلك من قبل وزيرة التربية والتعليم الموقرة وترجمة لما أكدته رؤية عُمان 2040 من أهمية "إيجاد مناهج تعليمية مُعززة للقيم، ومراعية لمبادئ الدين الإسلامي، والهُوية العُمانية، ومُستلهمة من تاريخ عُمان وتراثها" ومواكبة لمتطلبات التنمية المُستدامة ومهارات المستقبل، إلى جانب ما نصَّت عليه الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040.                       

ويقصد بالتعليم ما بعد الأساسي هنا " نظام مدته سنتان ما بعد التعليم الأساسي (الصفين الحادي عشر والثاني عشر)" ويهدف إلى تنمية المهارات الأساسية ومهارات العمل والتخطيط لدى الطلاب؛ لجعلهم فاعلين في المجتمع قادرين على الاستفادة من فرص العمل والتدريب بعد الانتهاء من التعليم المدرسي ومن المهارات التي يركز عليها هذا النوع من التعليم، مهارات القدرة على استخدام الرياضيات وتقانة المعلومات وحل المشكلات والتواصل والمهارات الشخصية والاجتماعية.

 وهذه المهارات في ظل التقدم العلمي والتكنَولوجي والذكاء الاصطناعي وتمهين التعليم والتخصصات الدقيقة، تفتح آفاقًا جديدة للطلاب في سوق العمل المحلي والعالمي، وهي من المهارات الأساسية في التعليم المهني والتقني كمسار آخر من مسارات التعليم ما بعد الأساسي. ويُعرّف هذا المسار: بأنه تعليم يقوم "بإعداد أفراد متعلمين وقوى عاملة ماهرة، وتأهيلهم للوظائف التي تعتمد في أساسها على الأنشطة العملية والمهنية، ضمن برامج تشمل المهارات التقنية والمعرفة العملية والنظرية، بالإضافة إلى المهارات الشخصية والتربوية".                          

 ونظرًا للمهارات التي يتطلبها سوق العمل الحالي والمستقبلي، الذي أصبح أكثر تخصصًا وتنوعًا لما يُلبي حاجات القطاع الخاص المحلي والعالمي والحكومي؛ فإنه يتطلب لهذا المسار إعداد برامج مهنية وتقنية عالية تتواءم مع سوق العمل العالمي، وتلبي حاجات القطاع الخاص والعام العُماني، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر؛ لتلبية حاجتها من العمالة الماهرة وشبه الماهرة المحلية، ورفد الأسواق الخليجية والعالمية في ظل متطلبات السوق واحتياجاته منها. وهذا لا يتأتى إلا بدراسة واقعية لاحتياجات القطاع الخاص المحلي والعالمي والحكومي والتخصصات الموجودة في هذه القطاعات بمختلف مشاربها وميول ورغبات الشباب وتوجهاته، وكذلك النظر إلى المقومات الاقتصادية والأنشطة الواعدة التي ترفد الاقتصاد العُماني، كقطاعات تكنولوجيا المعلومات واللوجستية،  والصناعات الغذائية والدوائية والصناعات البحرية والزراعية والحيوانية والسياحية والحرف التقليدية العُمانية المختلفة،بالإضافة إلى القطاعات المعروفة النفطية والغازية ومشتقاتها والإنشائية والسيارات وغيرها.

إن تصميم برامج تعليمية مهنية وتقنية من رحم هذه القطاعات، يخدم هذا المسار ويُعزز من القيمة المضافة للاقتصاد العُماني ونموه، والطلب على العمالة الوطنية الماهرة وشبه الماهرة؛ لتكون العمالة عُمانية خالصة دون تأثيرها سلبًا عليه متأقلمةً مع الأزمات الطارئة التي تعصف بالعالم بين فينة وأخرى.

وحتى لا تكون برامج هذا المسار منفصلة عن التعليم الأساسي وما قبل المدرسي فإن تعزيز هذا المسار يقيم العمل وأهمية التعليم التقني والمهني منذ نعومة أظفار الناشئة في المناهج الدراسية وخاصة مناهج العلوم والرياضيات والدراسات الاجتماعية واللغة العربية واللغة الإنجليزية والمهارات الحياتية والفردية، بتناول موضوعات وأنشطة تطبيقية وعملية ترفد هذا النوع من التعليم وتعززه وتبعد عنه النظرة الدونية للولوج إليه مقارنة بمسار التعليم العام؛ بحيث تترسخ في أذهان الطلاب قيم العلم والعمل المهاري بمختلف المهن منذ الصغر، وتفتح لهم آفاقا واسعة رحبة في هذه الحياة دون ملل وضجر، ومستقبل مُزهر براق "العلم في الصغر كالنقش على الحجر".

إن النظرة الصائبة لعاهل البلاد المفدى في فتح مسار التعلم المهني والتقني في التعليم ما بعد الأساسي، وتثمين الوزيرة الموقرة لذلك لحريٌ بترجمة ذلك على أرض الواقع لما فيه مصلحة العباد والبلاد لينعم أبناء هذا الوطن بالازدهار والرخاء سائر الأيام؛ فليحفظ الله هذا الوطن والسلطان والشعب، في ظل النهضة المُتجددة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-.

تعليق عبر الفيس بوك