المرأة قوام الحياة الأسرية
د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **
لقد فرض الفقهاء، بتأثير من ثقافة عصرهم، ولاية الرجل على المرأة، ولو كانت بالغة عاقلة رشيدة، ولترسيخ قناعة مجتمعية بأنها من الثوابت الدينية التي لا يجوز مخالفتها استعانوا بمرويات حديثية ظنية الدلالة والثبوت لاترقى إلى مستوى الثوابت.
إن فرض الولاية على المرأة البالغة العاقلة الرشيدة نوع من التمييز المناقض لكافة المواثيق والتشريعات الحقوقية الدولية والدستور الوطني، إضافة إلى مخالفته للقرآن الذي منح ولاية كاملة للمرأة في المشاهد القرآنية التي تحدثت عن دور المرأة في الحياة العامة: ملكة وزوجة مسؤلة وداعية للخير ومشيرة وعاملة.
لقد استنتج الفقهاء من مفهوم (القوامة) الثابتة نصاً، أن الزوج له الولاية المطلقة على زوجته في كافة تحركاتها: فلاتخرج إلا بإذنه، ولاتتعلم إلا بإذنه، ولاتعمل إلا بإذنه، ولاتسافر إلا بإذنه، ولاتقود السيارة إلا بإذنه، ولاتصوم تطوعاً إلا بإذنه، والويل لها إذا طلبها ولو على ظهر بعير وامتنعت فنام غاضباً، الملائكة تلعنها حتى الصباح.
وبالغ الفقهاء في إعلاء مكانة الزوج فروجوا حديثا يقول: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) وغفلوا عن أن السجود لا يكون لغيرالله.
ولو أنصفوا لأدركوا أن دور المرأة في الحياة الأسرية: زوجة وأما ومربية ومدبرة للمنزل أكبر وأعظم شأناً من الزوج، فهي أساس حياة الأسرة.
يصف حجة الإسلام الإمام الغزالي (الزواج) بأنه نوع رق، فهي (أي الزوجة) رقيقة للزوج، فعليها طاعته مطلقاً في كل ماطلب منها في نفسها في غير معصية. وهذا وصف مناقض لكتاب الله، الزواج ليس رقاً، والمرأة ليست رقيقة، بل سكن ومودة ورحمة، والمرأة لباس للرجل مثلما هو لباس لها،
يقول: على الزوجة طاعة زوجها في غير معصية، ثم يروي حديثاً يقول (أن رجلاً سافر وقال لزوجته أن لا تنزل من العلو إلى السفل، وكان أبوها في الأسفل، فمرض فأرسلت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تستأذنه النزول إلى أبيها، فقال لها: أطيعي زوجك، فمات الأب فاستأمرته في رؤيته، فقال لها: أطيعي زوجك، فدفن فأرسل الرسول يخبرها أن الله غفر لأبيها بطاعتها لزوجها) كيف تطيع المرأة زوجها في عقوق الوالدين وهو معصية كبيرة ؟!.
قد يقال هو حديث مكذوب، لكن كم من مكذوب يتعلق بالحط من المرأة شاع وكان له مفاعيله الاجتماعية السلبية مثل: حظر تعليم المرأة وعملها وحقوقها السياسية! وكم من أحكام قرآنية أهملت لأنها تتعلق بمصلحة المرأة !
حشد الإمام العظيم أبوحامد الغزالي المئات من المرويات الضعيفة والمكذوبة في كتابه الشهير والمتداول (إحياء علوم الدين) للحط من مكانة المرأة وإعلاء مكانة الرجل، حتى أنه علق دخول الزوجة الجنة برضا الزوج فنسب للرسول حديثاً يقول فيه (أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة)
هذه النظرة الدونية للمرأة، ليست نظرة الإمام وحده، هي نظرة كافة فقهاء عصره، والعصور التالية بعده، بل هي الثقافة السائدة في المجتمعات العربية.
المرأة في الخطاب التراثي، مخلوقة من الدرجة الثانية بل أدنى، لأنهن خلقن كخلق الدواب والنبات طبقاً لشيخ المفسرين الإمام الرازي المتوفى 606 هجرية صاحب التفسير الأكبر والأشهر (مفاتيح الغيب)
أخيراً: كل هذا الموروث الفقهي المنتقص من مكانة المرأة نحن غير مكلفين بالأخذ به، كما أننا غير ملزمين باتخاذ مواقف دفاعية أو اعتذارية عنه، لأننا نراه قراءة بشرية لنصوص دينية في ظل هيكل سياسي واجتماعي لم يكن لقواعد العدل والمساواة فيه أي اعتبار، كما لم يكن للمرأة أي مشاركة فيه.
نحن نؤمن أن جوهر الديانات السماوية وخاصة الإسلام يقوم على قواعد العدالة والمساواة وكرامة الإنسان، كما نؤمن بأنَّ الانتقاص من مكانة المرأة ليس من ثوابت دين نعتقد بصلاحيته لكل زمان ومكان ولكل البشر.
** كاتب قطري، عميد كلية الشريعة سابقًا