سالم كشوب
كثيرًا ما نسمع عن بعض القضايا التي يقع ضحيتها شباب في مُقتبل العمر والسبب يكون صادماً وهو وقت الفراغ الذي بغياب التوجيه والمتابعة من قبل الأسرة تكون ضحيته براءة طفل أو شاب ذنبه الوحيد أنه لم يجد من البداية من يغرس فيه ثقافة الاستفادة الإيجابية من وقته وتجنب رفقاء السوء وبناء صراحة وتفاعل مُتبادل مبنية على الثقة والحوار وإشعاره بدوره الهام وبناء شخصيته منذ الصغر التي تمكنه من التفريق بين الضار والنافع.
لكن للأسف الكثير من الأسر ولاسيما الأباء تناسوا أو أغفلوا دورهم الكبير وأوكلوا مهمة متابعة أولادهم والجلوس معهم إلى الأمهات التي أحياناً تجرها عاطفة الأمومة إلى إغفال المتابعة والاهتمام وحصر الدور فقط في توفير احتياجات الأبناء وكأنها هي فقط المطلب الوحيد الذي تبحث عنه هذه الفئة التي من المفترض أن تكون المسؤولية مشتركة بين الأب والأم في تكوين جيل يشعر بالفخر بأنه تم تكوينه بالشكل الأمثل الذي بإمكانه استكمال مسيرة بناء نفسه ومجتمعه ووطنه في مختلف المجالات وليس تركه فريسة وضحية لمن يتربص لتدميره وتدمير مستقبل وطن بأكمله.
هنا لا نبحث عن المسؤول في المقام الأول ولكن نتمنى من الجميع سواء الأسرة والمجتمع ومؤسسات التعليم والجمعيات والجهات المعنية بالشباب إعادة النظر في السياسات والخطط والبرامج من أجل حماية الجيل الحالي والمستقبلي من السقوط في قضايا ومشاكل قد تكون سبباً في القضاء على مستقبل شباب في مقتبل أعمارهم، فعندما لا يجد هؤلاء الشباب التحفيز وإعطاء الفرصة لإظهار مواهبهم وقدراتهم وإنما دائماً غلق الباب وإشعارهم بأنهم لا يمكنهم تقديم الإضافة، قد تتسلل إلى مخيلتهم مشاعر الإحباط والسخط والبحث عن بدائل ظاهرها إيجابي ولكن واقعها سلبي ومدمر لمستقبلهم لمجرد وجود وقت فراغ مدمر لا يجد فيه الشاب أو الشابة من يقف إلى جانبه أو يناقشه ويشعره بالثقة بنفسه وقدراته ويقوم بتوجيه التوجيه الإيجابي بل أحياناً محاولة تعويده على ثقافة المقارنة المحبطة مع الآخر الذي ربما ظروفه المادية وعقلية وتفكير أسرته تجعله ينخرط في مسار إيجابي وبالتالي محاولة تعويض ما يفتقده بطرق وأفكار مع مرور الوقت قد تكون سبباً في غرس ثقافة صعوبة اللاعودة لوضعه السابق الطبيعي، وبالتالي زيادة سخطه وسلبيته بسبب غياب من يستمع إليه ويشعره بقيمته ودوره ويكون سداً منيعًا أمام محاولات تدمير مستقبله وتحطيم أماله وطموحاته.
سابقاً ربما كانت الخيارات محدودة لجيل الشباب في قضاء وقت فراغهم ولكن وجود التقنيات الحديثة بإيجابياتها وسلبياتها وعدم الوعي الكافي للأسف من قبل بعض الأسر والشباب بتأثيرات هذه التقنيات والبرامج يشكل تحديا كبيرا لابد من التنبه له بمنهجية تتطلب خططا واعية مُتدرجة مبنية على الحوار الشفاف التشاركي، وليس أسلوب إصدار الأوامر من طرف واحد والوعيد والتهديد من مخاطر هذه التقنيات؛ فالجيل الحالي لابُد من مخاطبته بطريقة تتناسب مع البيئة التي عاش بها الآن وليس بأسلوب وعقلية ما قبل عشرين أو أربعين عاماً؛ فالظروف تغيرت وأنماط الحياة والتفكير اختلفت ولابُد من مسايرة تلك المتغيرات بشكل تكون فيها ردة الفعل والتجاوب عن قناعة تامة، وليس خوفاً من عقاب واستشعار المسؤولية والآمال المعقودة عليه؛ فأحياناً لغة التهديد تؤدي إلى العناد وحب التمرد وما يزيد الطين بلة غياب المتابعة وجعل الشباب فترات طويلة دون متابعة أو حوار ومناقشة مبنية على التفاعل والثقة المشتركة وإنما فقط ردة فعل قد تكون أحياناً بعد فوات الأوان مما يجعلهم يحاولون كردة فعل محاولة تجربة أشياء من باب الفضول أولاً ومن ثم عدم القدرة على تركها بشكل اختياري وأحياناً بشكل إجباري للأسف الشديد لخوفهم من ردة الفعل أو عدم المبالاة أحيانا من ردة الفعل نتيجة ثقتهم المهزوزة بالمجتمع وأسرهم.
ختامًا.. إنَّ حماية جيل الشباب مسؤولية الجميع بداية من الأسرة مرورا بمؤسسات التعليم سواء العامة أو العليا ومختلف الجهات المعنية بالشباب، فالشباب لا يبحث فقط عن توفير متطلباته من مأكل ومشرب وإنما من يسانده لتقديم الإضافة والإيمان بقدراته وإمكانياته وعدم تحميله مسؤولية الإخفاق في بناء نفسه ومستقبله ولابُد من زيادة برامج التوعية والتمكين الحقيقي وليس الإعلامي الذي يولد في الشباب الثقة والحماس في تقديم الإضافة الإيجابية لمجتمعه وبلده، إضافة إلى تقديم جرعات إيجابية وتحفيزية وإعادة تأهيل من وقع في مشاكل وقضايا فالأخطاء واردة ولكن من الأهمية بمكان إعطاء الأمل والإيجابية لهم وليس إصدار حكم قاسٍ وإشعارهم بعدم إمكانية العودة مجددًا والنهوض من كبوتهم التي لم يكونوا هم فقط السبب فيها فنحن في ظروف تتطلب جهودا كبيرة لبناء وحماية جيل تقع عليه آمال كبيرة في نهضة وتطور الوطن؛ فإما أن نكون معول بناء وتحفيز لهم، أو معول هدم ولن يكون هناك وقت للبكاء على اللبن المسكوب.