طالب المقبالي
مع مطلع العام 2020 الذي انتظرته عُمان وشعبها بفارغ الصبر كي تحتفل باليوبيل الذهبي، بعد مُضي خمسين عاماً من البناء والتطور والازدهار، شاءت قدرة الله تعالى أن تكون هذه السنة سنة كبيسة على العالم وعُمان، فتنقلب الأحوال وتتغير الخُطط والبرامج، وتسير الأمور في عكس المُخططات التي رسمت لهذا العام.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ " صدق الله العظيم. ففي العاشر من يناير فُجعت عُمان وشعبها برحيل السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فزلزلت الأرض من وقع هذا الخبر الجلل، واختلت الموازين وتغيَّرت الخُطط. فمنذ العام 2019 بدأت الأحوال الاقتصادية تسوء بعد تدني عائدات النفط وانخفاض أسعاره، وعُمان واحدة من الدول التي كانت تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي في البلاد، وما زالت تُعاني من ذلك الركود. أعقب ذلك جائحة كورونا (كوفيد19) التي أكلت الأخضر واليابس، وقضت على كل الأحلام والخُطط، وقلبت الموازين رأساً على عقب.
فبعد وفاة السلطان قابوس تولى مقاليد الحكم في البلاد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- فتسلم جلالته تركة ثقيلة أرهقها الركود الاقتصادي وتدني أسعار النفط التي بنت عليه السلطنة جميع خططها التنموية، والتي نتجت عنها أزمة توقف الترقيات، وأزمة الباحثين عن عمل، وأزمة المسرحين، وهذه نتيجة تبعات تدني أسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستوى لها، تبعتها جائحة كورونا. فقام جلالته- نصره الله- بتنفيذ خُطط مدروسة بإحداث العديد من التغييرات والإصلاحات في البلاد من أجل إخراج البلاد من هذه الأزمات. والمعلوم أن تحسن الأوضاع لن يأتي بين عشية وضحاها، بل يحتاج الأمر إلى التضحيات والصبر.
وأولى الخطوات التي قام بها جلالته- حفظه الله- هي إنشاء صندوق الأمان الوظيفي، وكان جلالته أول المساهمين في هذا الصندوق بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني لتأسيسه، وهي خطوة أولى لتشجيع أصحاب الثروات في البلاد للإسهام في هذا الصندوق. ثم أعقب ذلك صدور النظام الخاص بالصندوق بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (82/ 2020) والذي يعمل به ابتداءً من الأول من نوفمبر 2020.
وجاءت فكرة النظام لتوفير الحماية الاجتماعية للعُمانيين المنهية خدماتهم من العمل بشكل جماعي لأسباب خارجة عن إرادتهم، أعقب ذلك العديد من الإصلاحات الهامة، ومن أبرزها التعديل الوزاري وإلغاء ودمج بعض الوزارات والهيئات من أجل تقليص الإنفاق والحد من ازدواجية الاختصاص ودمجها في إطار تخصصي واحد.
وعُمان ماضية رغم الظروف والتحديات الاقتصادية في تنفيذ رؤية "عُمان 2040" وستصل بإذن إلى الغاية المرجوة؛ وذلك بتكاتف الجهود، والوقوف جميعاً جنباً إلى جنب مع الحكومة الرشيدة من أجل تحقيق الغاية السامية. وعلى رجال الأعمال في السلطنة الإسهام في هذه الخطة، إلى جانب تغيير الفكر لدى الباحثين عن عمل بأن العمل لا يقتصر على الحصول وظيفة في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص؛ بل يتوجب على الباحث عن عمل أن يُفكر خارج الصندوق وينظر إلى الفرص المُتاحة من خلال إقامة المشاريع الشخصية، فهناك نماذج مشرفة من شبابنا أستطيع الكتابة عنها وعن قصص نجاحها مقرونة بالأدلة والبراهين؛ ففي عدد من الولايات هناك نماذج حيَّة لشباب فتحوا مشاريع ناجحة فعرضت عليهم وظائف مرموقة، إلا أنهم فضلوا الاستمرار في مشاريعهم التي تدر عليهم أضعاف أضعاف الرواتب الحكومية.
العامل الوافد مثلاً يأتي إلى السلطنة وقد رهن أو باع منزله من أجل الحصول على قيمة تذكرة سفر، فيصل إلى عُمان ويبدأ البحث عن فرص للعمل، يتطور الأمر بعدها إلى إقامة مشاريع خاصة مُستقلة. وهناك أمثلة لعمال وافدين قدموا إلى السلطنة ليعملوا في محلات صغيرة براتب، ثم فكروا بعد ذلك في الاستقلال في محلات خاصة بهم، فجمع لهم أبناء جلدتهم مُساعدات كقروض لفتح محلاتهم الصغيرة. وقد نمت تجارتهم، فتحولوا من بائعين في محلات صغيرة إلى تجار كبار يمتلكون مراكز تجارية ضخمة، تدر ملايين الريالات سنوياً، والبعض منهم فتحوا فروعاً في مُختلف ولايات السلطنة.
لنأخذ العبرة من هذا العامل الوافد الذي رهن أو باع منزله من أجل الحصول على تذكرة سفر للمجيء إلى عُمان للعمل، ثم أصبح من أصحاب الملايين. فما الذي يمنع شبابنا من إقامة مشاريع كهذه، وما الذي يميز العامل الوافد (الآسيوي) الذي قدم إلى السلطنة ولا يمتلك مؤهلاً دراسياً، إلا أنه يمتلك العزيمة والإرادة.
والحكومة الرشيدة فتحت المجال للشباب من خلال القروض التمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكن الإقبال عليها للأسف قليل. فالباحث عن الوظيفة سيظل باحثاً حتى يجدها، وربما لم يجدها، وإن وجدها فربما ليست بالطموح الذي يطمح إليه.
إنَّ على شبابنا أن يشمروا عن سواعدهم فالفرص الاستثمارية متوافرة ولله الحمد، فقط تنتظر الإنسان الطموح والمثابر الذي يتحدى الصعاب من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.