يا مسؤولينا.. رفقا بعمرهم المتقدم!

د. عبدالله باحجاج

عنوان المقال أعلاه، يفتح قضية قديمة جديدة، قد تناولناها في عدد من المقالات، وهي قضية العسكريين العُمانيين في الخليج، وفيها مرسومان ساميان، الأول في عهد الراحل السلطان قابوس بن سعيد- طيَّب الله ثراه- صدر عام 2011، والآخر حديث، صدر في الأول من فبراير 2021، وهما يمنحان حق التقاعد لعسكريينا في الخليج بعد اتفاق قادة دول مجلس التعاون الخليجي عام 2010 على مد الحماية التأمينية للعسكريين من مُواطني دول مجلس التعاون الخليجي العاملين في غير دولهم في أي دولة من دول المجلس الخليجي.

ونفتح قضيتهم مجدداً من منظورين: قانوني وإنساني خالص، ومن آخر المُستجدات، بعد أن استكملت أي قضيتهم- كامل الاعتراف "الحقوقي والقانوني" الداخلي، وهنا نطرح تساؤلين أساسيين، الأول لماذا لم تُسرع الجهات التنفيذية بتطبيق المرسوم الجديد؟ وقد خرجنا من مُتابعتنا لهذه الجزئية الهامة، بأن استحقاق عسكريينا لحقهم في راتب التقاعدي، سيستغرق وقتاً طويلاً، والسبب الإجراءات، حيث سيتم مُخاطبة الدول الخليجية الست بشأن كشوفات العسكريين المنتهية خدماتهم، وهنا عملية تأخير في المُخاطبة من تاريخ المرسوم وحتى الآن، نعلم هذه عملية بيروقراطية ستستغرق وقتاً، لكن، القضية قديمة، وترجع لعام 2011، ومنذ صدور المرسوم وحتى الآن، يفترض أن الأفق الزمني يكون ملموساً ويعزز السيكولوجيات، وليس العكس.

والتساؤل الثاني: كيف تمَّ تحديد شهر مارس 2020 معيارا زمنياً لاستحقاق الإعانة الشهرية المقطوعة التي أمر بها عاهل البلاد -حفظه الله ورعاه- للمنتهية خدماتهم من العمانيين العاملين بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك لمدة ستة أشهر، ولماذا لا تمنح الإعانة بالمحدد الزمني للمرسوم السلطاني سالف الذكر، ففي المادة السادسة منه، ينص المرسوم على الآتي " يعمل به – أي المرسوم - من الأول من يونيو 2011 أي بأثر رجعي، أي يشمل كل عسكري أنهيت خدماته في ذلك اليوم والشهر والعام، فلماذا المحدد الزمني للإعانة اقتصر على مارس 2021 فقط؟

كما إنَّ التوجيه السامي قد جاء عاماً، ولم يحدد فترة زمنية بذاتها، فكيف تمَّ تحديد شهر مارس 2020 للمستحقين فقط؟ هذا يقصي الأغلبية من الاستفادة من هذه الإعانة التي قدرها 202.5 ريال من صندوق الأمان الاجتماعي، حاولنا عبر اتصالاتنا الهاتفية بحكم موقعنا الجغرافي أن نعرف السبب أو الغاية من تحديد مارس 2020، فكل من تواصلنا معه، يبدي الاستغراب نفسه، بينما يرى قدامى متقاعدينا أنَّ الأغلبية ستحرم من الإعانة الشهرية، وأن المستفيدين لن يتعدوا 3 أشخاص، وقد لا يجدون مستفيدا منها.

وهنا التساؤل: كيف، ولماذا يتم تقييد الحق العام؟ هذا القيد يضر بمصالح الأغلبية المفترض استفادتها من التوجيه السامي؟ ولكي نُقرب الفهم الوطني العام بهذه القضية الإنسانية، يستوجب التوضيح أنَّ الأغلبية المنتهية خدماتهم من عسكريينا في الخليج لم يحصلوا حتى الآن على راتب التقاعد بموجب المرسومين سالفي الذكر، وحتى الآن الأفق الزمني أمامهم مسدودا، فكيف يحرمون من الإعانة الشهرية؟

لو شملتهم الإعانة، ربما تخفف عنهم قليلاً حتى تستكمل إجراءات الحصول على راتب التقاعد، أما أن يظلوا في حالة انتظار طويلة للراتب، ويحرمون في الوقت نفسه من الإعانة، فهذا لا ينم عن تقدير أصيل لمُعاناة هؤلاء المواطنين، قد نسلم بالوضع لو أنهم سيستحقون الراتب التقاعدي قريباً، لذلك، فهذه مسألة تُحتم علينا المتابعة والمطالبة بتسريع إجراءات الراتب التقاعدي حتى لو تم تشكيل لجنة عاجلة للذهاب للدول الخليجية الست لدواعي التسريع، وهذا سيكون قمة التقدير الوطني لهذا الجيل، أما إذا ما تركنا قضيتهم للمؤسسات البيروقراطية في الدول الست مروراً بالمؤسسات السيادية والخليجية المشتركة، فمن المؤكد أنَّ الأفق الزمني سيكون طويلا.

لذلك نُطالب بترجيح كفة الرفق بهم بعد أن تمَّ الإقرار بحقهم، وأوكل للمسؤولين المختصين التنفيذ، وفي هذه الأخيرة منطقة الرفق، والرفق مضاد العنف، وهذا الأخير ليس بالضرورة أن يكون فعلاً مادياً، وإنما يأخذ- أي العنف- أشكالا كثيرة، مادية ومعنوية، وعدم الترفق بمثل حالات هؤلاء المواطنين، يندرج في تصنيف العنف، لأنه ينتج القهر والإحباط في سيكولوجيات مُرهقة متعبة بطبعها بحكم الغربة الطويلة في الخليج بحثاً عن لقمة العيش، عانوا مرارات الغربة المكانية والزمنية والتشريعية رغم أنهم ينبغي أن يتمتعوا بحق المواطنة الخليجية، لكنها مجرد شعار، وقرارات القادة تتعطل عند جهات التنفيذ، وبحكم سنوات انتظار الراتب التقاعدي.

كانوا يتأثرون بالأمواج السياسة التي تهب داخل المنظومة الخليجية، كان هذا قدرهم، لكن، وهم الآن داخل وطنهم، وصلت أوضاعهم الآن إلى المطالبة بالرفق بهم في استحقاق حقوقهم، ولما تواصل معنا الأسبوع الماضي كالعادة الكثير منهم، لمسنا حجم الآلام التي لن يحس بها إلا من وجد ذاته بلا أي دخل، ولا تطمينات قريبة بالحق في الراتب، وهم من الرعيل الأول الذين هاجروا في بداية السبعينيات للخليج للعمل، الآلام يتقطع لها القلب، ولما لا؟! وهم بلا راتب ولا أية منحة داخلية منذ عودتهم من الخليج.

ولم يكن تبنينا لمفردة "الرفق" من فراغ، وإنما وجدناها الأنسب لحالة هؤلاء المواطنين الآن في ظل تأخر استحقاقهم لراتب التقاعد، وتجاوزتهم الإعانة الشهرية، مما تصبح الإعانة الشهرية بمحتوى لا يُعبر عن مضامينها الغائية التي استقبلها عسكريونا المتقاعدون بإيجابية كبيرة، وقد ترددنا في طرح عنوان المقال، وكنا نفضل العنوان التالي "لماذا مارس 2020؟" لكننا اعتمدنا العنوان، بعد أن اطلعنا على سيكولوجياتهم المتعبة والمحبطة والمقهورة.. فقدت الثقة في الأجل المنظور لتطبيق مرسوم استحقاهم لمعاش التقاعد، وتقصى الآن من الإعانة الشهرية؟!

الرفق في ديننا الإسلامي مُتأصل، وكم وجدنا فيه خصال عظيمة، نذكر بها أنفسنا، وقد اخترنا الأحاديث الصحيحة التالية " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "... ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله به عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " وعن السيدة عائشة أم المومنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه.

وعنها كذلك أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شي إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه " رواه مسلم، وحديث آخر لجرير بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حرم الرفق يحرم الخير كله، رواه مسلم.

 ونجد أنَّ من أحوجهم لهذا الرفق، عسكريونا الذين ينتظرون حقهم التقاعدي منذ عام 2011، وحرموا الآن من الإعانة الشهرية، وقد تجاوز الكثير منهم سن الستين، وحقوقهم معترف بها سياسياً خليجياً، وتشريعاً داخلياً.. لكن التسريع أولاً وعدم إقصائهم من الإعانة ثانيا.. مكامن أساسية للرفق بهذا الجيل الذي عاني طوال حياته كثيراً، فمن حقه علينا الآن، أن نُحقق له حقوقه بأسرع وقت ممكن، وبأفضل التطمينات، وحتى الآن لا يعرف متى سيستحق الراتب التقاعدي، الله يكون في عونهم.

 

الأكثر قراءة