"شرجة وصادفت مهباط"

د. حميد بن مهنا المعمري 
halmamaree@gmail.com

من الأمثلة الشعبية العُمانية التي تُقال عندما ترى سرعة انقياد شخصٍ لأمر ما حتى ولو كان فيه هلاكه "شرجة وصادفت مهباط"، والأصل في لفظة مهباط، (مهباطا)، على النصب، ولكن أغلب العامة ينطقونه أثناء الحديث ساكن الطاء، أخذا بقاعدة (سَكِّنْ تَسْلَمْ) القاعدة المشهورة في اللغة العربية التي يتوارى خلفها الكثير، خوفاً من الوقوع في الخطأ أثناء حديثه في إعراب الحرف الأخير من الكلمة.
وقد استدعيت هذا المثل من الذاكرة العُمانية التي تزخر بمثل هذا الموروث الشعبي، المتناقل عبر العصور مشافهة، فاستعرته لأضرب به مثلا لحالِ كثيرٍ من شباب اليوم الذين ذكّرني وضعهم وتراخيهم في أداء واجب الصلوات في  جماعة؛ فكأني بهم ما صدقوا أنَّه قد قيل لهم، لا تذهبوا للمسجد من قبل الجهات المختصة، ونسوا- جاهلين أو متعمدين- أنّ الجهات المختصة لم تمنعهم من أداء الصلوات في بيوتهم جماعة، بل أوقفت إغلاق المساجد لفترة محدودة؛ لتحقيق مصلحة عُليا، وهي مقصد من مقاصد هذا الدين العظيم وهو حفظ النفس، ثم تمَّ فتح بعضها وفق بعض الاشتراطات، ثم بعد ذلك رأينا السماح بالصلاة في المساجد التي تصل قدرة استيعابها أكثر من مئة مصلٍ، وهذا يعني أن أغلب المساجد ستكون -بفضل الله- مفتوحة للصلوات الخمس، بعد حصولهم على التراخيص.
وقد دعاني للكتابة في هذا الموضوع، ما أراه بعيني وأسمعه بأذني، من تكاسل، وتراخٍ، ولامبالاة في أداء الصلوات الخمس في جماعة؛ فتراهم يجتمعون لتناول القهوة، والجلوس جنباً إلى جنبٍ للسمر واللعب، ويأكلون ما لذّ وطاب من أصناف المأكولات، ويغسلون أيديهم، ويغمسونها في إناءٍ واحد، لكن عندما يسمعون الأذان، يتفرقون شذرًا مذرًا "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ".
وفي المُقابل، يمكن أن أستوعب وأتفهّم وجهة نظر البعض من تحفّظه للتباعد في صفوف المصلين في المسجد، وهو ذاته يُؤدي صلواته جماعة بأولاده بدون تسويف أو تأخير، مثل هذا لا تثريب عليه؛ لأنَّ له وجهٌ من الحق أصابه، وقد اعتنى بصلواته وجعل من بيته مسجداً ومحراباً، لكن العتب الشديد للذين لا في العير ولا في النفير، وإنما أضاعوا صلواتهم وصلوات أبنائهم؛ تكاسلاً عن هذا الفرض الواجب، الذي في أشدّ الظروف وأحلكها وأظلمها لا يُمكن التخلي عنه، أو التسويف فيه، فهل مثل المرض أو السفر عذرٌ للصائم؟ بنص كتاب الله (فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ..)،  لكن في موضوع الصلاة لم يُعذر المريض من أدائها؛ فثمَّة صلاة للمريض أو المسافر، يجب أن يفقهها وإن كان في فراش المرض أو في طريق السفر.
هذه صرخة أطلقت دويها لتبلغ مسامع المُقصرين- وكلنا ذاك المُقصِّر- شفقة بهم وبأبنائهم، وأن يتعاون المجتمع صغيره وكبيره، نساؤه ورجاله، على التواصي بالحق والتواصي بالصبر والصلاة؛ لأنها خيرُ موضوعٍ يُتواصى به، "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ"؛ فلا عذر بعد اليوم في المحافظة على الصلوات في جماعة.
فاحذروا من أن يُقال فينا: "شرجة وصادفت مهباطا".
************
إضاءة معجمية:
*الشرجة أو الشَّرْجُ : مَسِيل الماءِ من الهضاب ونحوها إِلى السَّهل.
* المهباط، المَهْبِطُ: اسم مكان من الهبوط وهو الانحدار من أعلى إلى أسفل وهو مكان النُّزول، ومن الأسفل إلى الأعلى يُسمى مَطْلاع: من الطلوع أي الصعود، ومن هاتين اللفظتين تظهر لنا فصاحة اللهجة العمانية.