نبض واحد!

سالم بن نجيم البادي

استعيرُ عنوان هذا المقال من أهل الرياضة في زمن مباريات كرة القدم المصيرية، وقد كُنتُ أتمنى بعد أن انتهت التجمعات السلمية على خير أن يهدأ "الهيجان الشعبي" على وسائل التواصل الاجتماعي وهذا التراشق الكلامي غير المسبوق، والذي لم أسلم منه شخصيًا لمجرد أني كتبتُ مقالًا بعنوان "الهدوء الهدوء" في خضم تلك الأحداث.
وقد أعتُبر هذا المقال انحيازًا مني ضد التجمعات، حتى قمتُ بحظر بعضهم لشدة الأذى الذي لحق بي، رغم أنَّ المقال كان متوازنًا، وفيه شكرتُ الشباب في التجمعات على سلميتهم ورقيهم ونبل أخلاقهم ومشروعية مطالبهم، في الوقت الذي اقترحت فيه الهدوء والعودة إلى المنازل بعد أن وصلت الرسالة إلى أصحاب الشأن.
الآن تُزعجني الآثار التي بقيت عند بعض أفراد المجتمع والانقسام الحاصل- أدرك أنه انقسام غير جذري وغير عميق وهو مؤقت- بين فريق مؤيد للتجمعات وأخر مُعارض لها، وهذا الفريق قد أمعن في تبني نظرية المؤامرة والتدخل الخارجي!! وكيّل التهم لمن كانوا في التجمعات، وربما الشتائم، وتجريدهم من الوطنية.
المُلاحظ أن هذا الفريق لا يملك أي أدلة دامغة على سوء نية من خرجوا للتجمع، ولو افترضنا وجود أدلة فإن مسوؤلية تطبيق القانون هي الجهات المُختصة بذلك، وحتى من تفوه بكلمات غير لائقة أو قال كلاما تبين لاحقا أنه غير صحيح في ذلك الموقف وفي تلك الظروف وفي مثل عمره، كان ينبغي أن نجد له الأعذار، لا أن نجعل منه مادة للتشفي والسخرية، ودليلًا على سوء طوية كل من كانوا في التجمعات.
وعوضا عن المطالبة بالتروي والعفو، تمت المطالبة بإنزال العقوبة في حقه، وشوهت سمعته والرجل العجوز الذي كان معهم؛ لعله أراد مجرد التضامن، فلم نطلع على ما في قلبه، ولا على نواياه، ولا نعلم ظروفه الحقيقية والواقع الذي يعيش فيه.
حتى بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين انحازوا إلى صف التجمعات، شُنت عليهم حرب كلامية شعواء، وكان الأجدر ترك أمرهم إلى جهات الاختصاص الساهرة على أمن الوطن.
وظهر عند أصحاب هذا الفريق مُصطلح "المُرجفين"، وعبارات أخرى كلها تُشير إلى "التخوين والتآمر" غير الموجود في الواقع، وإن وجد لا شأن لهولاء به؛ لأن من شأن هذا أن يُقسِّم المجتمع إلى فسطاطين: مع وضد، ويُخشى أن يصبح ثقافة سائدة في المجتمع وينشر الكراهية لا قدر الله.
قد يميل هؤلاء إلى الدفاع ببسالة عن كل ما يصدر عن الحكومة، وحتى تلك القوانين التي أثارت حفيظة قطاع واسع من الشعب، وتبرير هذه القوانين التي لم يُستشر فيها الشعب، أو من يمثله، وأخشى أن تُعمّق الهوة بين من يعارضها ومن يؤيدها!
أما الفريق المؤيد للتجمعات، فهو أيضًا يوغل في الخصومة، ويُظهر أنه لا يرى حسنة واحدة للحكومة، ويتجاهل كل الإنجازات أو هكذا يبدو للمتتبع لما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، ويُريد تحقيق المطالب بسرعة البرق، وفي طرفة عين، أو أقرب من ذلك!! وهو في عجلة من أمره، ويجعل من الذين تجمعوا "أبطالا فاتحين" ويُمجدهم حد المبالغة المقيتة.
وعند هذا الفريق مصطلحات لا تقل خطورة عن الفريق الأول مثل "الوطنجية" و"المطبلين"، ولديهم نظريات مؤامرة أيضًا مثل القول: إن أعمال الشغب كانت بإيعاذ من البعض، لإيجاد مُبرر لفض التجمعات، دون أدنى دليل منطقي أو حتى غير منطقي على ذلك!!
لا ننسى الإشادة بالأسلوب الحكيم الذي اتبعته الجهات المعنية في التعامل مع التجمعات، وهو الأسلوب الذي لاقى ترحيبًا وإعجابًا من داخل وخارج عُمان، وأشير هنا إلى براءة وحسن نوايا معظم من تواجدوا في تلك التجمعات.
في تلك الأيام قيل لي أن مجموعة من الشباب من ولايتنا ذهبوا إلى التجمع في صحار، وصار لهم يومان في صحار، فقلت: لماذا ذهبوا؟ والجواب جاء بكل بساطة وعفوية "اوين اللي يتجمعوا يشلوهم في باصات ويوظفوهم مباشرةً"!
حان الوقت لنكون جميعًا نبضًا واحدًا، كما كنا دومًا في وحدتنا وتماسك وتجانس مجتمعنا، ولنحافظ جميعًا على السلم والأمن الذي ننعم به في هذا البلد الرائع الجميل المطمئن، ولا يجب أن يُفهم من كلامي الدعوة إلى الصمت وعدم التعبير عن الرأي أو إبداء النقد البناء، لكن لنترك التراشق بالكلام فيما بيننا، فهذه دعوة صادقة أرجو أن تُلقى آذانًا صاغية وقلوبًا واعية، ولا نستهين بهذا الذي يحدث في وسائل التواصل؛ فإن معظم النار من مستصغر الشرر.. ودمتم في محبة ووئام وسلام.