أريدُ أرضًا!

 

فايزة سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

 

يتطلَّع كل مُواطن ومُواطنة لأن يحصل على قطعة أرضٍ سكنيةٍ خاصةٍ به يُحقق بها أحلامه في الاستقرار، ويُلبي طموحاته في مستقبل أكثر رخاءً، ويبدأ من خلالها تمهيد الطريق نحو مشوار الحياة، فيبني بيتًا يكون مستقرًا ومستودعًا له ولعائلته، ويحمي نفسه من تقلبات الزمن، ويضمن لأبنائه وأحفاده من بعده مسكنًا آمنًا.

والحصول على قطعة أرض لدى كل مواطن، يمثل أيضًا نوعًا من مصادر الدخل والرزق وبداية لمشوارهم المهني؛ سواء في بنائها والإقامة فيها أو بيعها للاستفادة من المبلغ في سداد قروض أو تسهيل هدف من أهداف الحياة التي يطمح لها، أو البحث عن موقع أفضل للإقامة والاستقرار، حسب ظروف الخدمات أو موقع العمل، فتكون هذه الأرض فرصة للحصول على النَّقد وتيسير بعض الأمور الحياتية.

من هنا يمكن للحكومة أن تستثمر في الأراضي وهي من الثروات الوطنية العظيمة التي يزخر بها الوطن، على امتداد مساحته الشاسعة، كما يمكن أن تكون الأراضي أحد الموارد المالية للدولة التي من المُمكن أن تساهم في حل عدد من التحديات المالية، ومنها سداد الدين العام. فعلى سبيل المثال: اليوم يوجد لدينا على الأقل 100 مليون متر مربع من الأراضي تُستخدم كحق انتفاع، والدخل الذي يعود للدولة منها الآن تقريباً بحدود 10 ملايين ريال عُماني سنويًا، وهذا مبلغ قليل بالنسبة لميزانية الدولة؛ حيث إنَّ الجهة المعنية تحصّل رسومًا رمزية على أراضي حق الانتفاع، لكن تخيلوا لو استطاعت الحكومة أن تبيع هذه الأراضي بنظام وضوابط مُعينة؛ لاستطاعت أن تحل مشكلة الدين العام فضلاً عن عجز الميزانية، من خلال قيام الحكومة ببيع 10 ملايين متر مربع سنويًا لمدة 10 سنوات مُقبلة، وهذا سيعود بدخل للدولة يقدر تقريبًا بقيمة 500 مليون ريال كل سنة، لو افترضنا أنَّ المتر بـ50 ريالًا، مضروبا في 10 ملايين متر مربع؛ إذن المبلغ سيصل إلى 5 مليارات ريال بنهاية السنوات العشر، دخلًا صافيًا للحكومة، تستطيع من خلاله الوفاء بالتزاماتها، هذا فضلاً عن حالة الانتعاش العقاري التي ستُصاحب هذه الإجراءات.

أما إذا تم بيع الأراضي للقطاع الخاص أو المواطنين، فسنرى الإيجابيات بحيث إنَّ الحكومة تحقق دخلاً وربحاً تتمكن من خلاله من سداد التزاماتها، ومن جهة المواطن سيستطيع أن يبيع ويشتري ويعود الانتعاش الاقتصادي المنشود.. لكن لابُد من تقنين هذه العملية بحيث يكون البيع بمساحات مُحددة، يحقق الاستدامة والأهداف التي ترغب فيها الحكومة، فضلاً عن حفظ حقوق الأجيال القادمة.

وبما أن رسوم الحصول على الأراضي الآن 600 ريال فقط، فلماذا لا تكون 5000 ريال على سبيل التقدير، وكنوع من الشفافية يكون المواطنون على علم بأنَّ هذا الموقع بحاجة إلى خدمات وطرق وكهرباء وما شابه، ثم نضع المبالغ المدفوعة لإتمام المُخطط بكل خدماته من خلال الرسوم المدفوعة، وإذا استطعنا أن نبيع من أراضي حق الانتفاع التي لم نستفد منها شيئاً، فسنتمكن من تنفيذ مخططات جديدة وتُباع للمواطنين أو القطاع الخاص للاستثمار وتُدر دخلاً أكبر من الآن كحق انتفاع.

ينبغي إجراء مزايدات على بعض الأراضي في المواقع الاستراتيجية، ويتم بيعها بدلاً من حق الانتفاع، من أجل جذب المستثمر المحلي أو الأجنبي، خاصة الأراضي الممتدة على سواحلنا الطويلة، ومن الممكن كذلك استثمارها لبناء منتجعات وفنادق لمستثمرين، وليس كحق انتفاع تعود بمبالغ رمزية لا تذكر.

من المقترحات أيضًا أن تفرض الحكومة ضرائب على الأراضي البيضاء التي تزيد مساحتها عن 10 آلاف متر مربع، والتي لايقوم صاحبها ببناء أي مشروع عليها، بينما تظل "محجوزة" لسنوات يُحيطها سور أو لافتة، لكنها غير مستغلة، هذا فضلاً عن أنها تشوه المظهر الحضاري إذا ما كانت واقعة في منطقة حيوية. لابُد من دفع ضريبة على هذه الأراضي، وأن تتغير رؤية الحكومة ونظرتها للاستثمار في الأراضي.

الخلاصة.. علينا أن نُجيب على سؤال: كيف ندير قطاع الإسكان والعقار بطريقة محفزة للاقتصاد ومشجعة للمواطن دون معوقات أو موانع؟

إنَّ أي تفكير اقتصادي يجب أن يرتكز في المقام الأول على التحفيز والتنمية، وليس على المنع والضوابط البيروقراطية القاسية، لابُد من تطبيق نظرية الاقتصاد الحُر؛ حيث يُمكن للأراضي أن تشكل أحد الموارد الاقتصادية إذا ما أدرناها بآليات اقتصادية.. فكيف يتم منح أرض لمواطن وفي نفس الوقت يُمنع هذا المواطن من التصرف فيها وبيعها، ولماذا لايُمنح الجميع الحرية للاستفادة من رزقه بالطريقة التي تتناسب مع أوضاعه وظروفه المعيشية، علينا أن نوسع على المواطن لا أن نُضيِّق عليه.. ففي الوسع خير، وفي الضيق مشقة!!