دار الاتقان العالي

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

عن عُثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ». وقد بيَّن هذا الحديث الشريف الموجه إلى الأمة قاطبة أهمية تعلم القرآن الكريم وتعليمه للآخرين، لأنَّ تعلم القرآن وتعليمه من أشرف العلوم وأبركها، ووصف المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم المتعلمين للقرآن الكريم بخيار النَّاس.

كما إن هناك آيات قرآنية كريمة تحث على تدبر القرآن الكريم، كقوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا).

وفي مقالي هذا سوف أسلط الضوء على هذا الجانب المضيء من حياتنا، وعلى القائمين عليه من خلال إنشاء دور لتعليم القرآن الكريم وحفظه وتدبر آياته؛ ففي ولاية الرستاق التي تُعد منذ قديم الأزل من أهم المدارس في عُمان، وكان يطلق على مدرستها، المدرسة الرستاقية.

وهنا يتجدد العهد بالمدرسة الرستاقية من خلال قيام مجموعة من خيرة شباب الرستاق بإنشاء دار للقرآن الكريم وعلومه بما تعنيه التسمية وما تحتويه من تفاصيل حول هذا المشروع الكبير الذي تمَّ إنجازه بكل اقتدار.

وخلال الأسطر القليلة التالية، وعلى ضوء تشرفي بزيارة هذا الصرح العلمي للوقوف على قصة هذا المشروع وطبيعته فسوف أتطرق إلى تفاصيل مكونات دار الاتقان العالي بولاية الرستاق من حيث الفكرة والموقع والإنشاء والمكونات والمرافق والاستيعاب، ونظام العمل والإدارة والاستثمار، ومعلومات عامة عن هذا المشروع الرائد.

بدأت فكرة المشروع القرآني في أواخر سنة 2012، بعد أن تعرَّف طاقم الإدارة على عددٍ من الأنشطة القرآنية داخل السلطنة وخارجها، وقد كان للزيارات الخارجية الأثر الكبير في المضي قدماً في هذا المشروع القرآني، لأنَّ العمل القرآني في هذه الدول هو عمل خيري مُؤسسي مستقل، وبالتالي يكون التركيز على العمل القرآني بصورة أكبر، وهذا ما يُحقق ثمرة طيبة بتخريج الحفظة المُتقنين لكتاب الله، والمتعلمين لعلومه، وعند النظر في واقع التعليم القرآني في عُمان في تلك الفترة بالمقارنة مع بعض الدول المهتمة بالشأن القرآني يحتم على كل مهتم أن يحقق بصمة خير في هذا المجال مع مُراعاة واقع الحال وكيف يمكن أن يكون المشروع القرآني مشروعاً مُؤسسياً غير معتمد على التبرعات فحسب، وطاقم إداري وتعليمي مؤهل.

فبدأت الأفكار تتوالى وتيسرت الأحوال، فانطلق المشروع القرآني  في بداية 2013 في مبنى متواضع بولاية الرستاق وبعض المساجد، ثم في عام 2017 بدأ العمل لإنشاء المشروع الوقفي  في حي فلج الحديث بولاية الرستاق وهو قريب من جامع الرضوان.

مرحلة إنشاء المشروع الوقفي بدأت في أواخر عام 2017 وانتهت في أواخر عام 2020، ولم يتم الشروع في هذه المرحلة دون مُقدمات لمسها المجتمع منذ عام 2013 من تعليم وتحفيظ وبرامج وفعاليات سبقت الشروع في البناء بسنوات، وهذا ما دفع المجتمع للتفاعل مع فكرة إنشاء هذا المشروع الوقفي بعد توفيق الله تعالى.

ويتكون المشروع الوقفي من 3 طوابق؛ الأول طابق سفلي يتكون من قسمين منفصلين للطلبة والطالبات مع توفر قاعات دراسية مُناسبة لكل قسم، ومكتبة تتوسط القسمين ستضم بإذن الله تعالى آلاف الكتب والمجلدات، وأما الطابق الثاني والثالث فهُيئا للمحلات والشقق والتي يكون ريعها لأجل التعليم القرآني.

وتستوعب المؤسسة التعليمية أكثر من 300 طالب وطالبة يتوزعون في أقسامهم الدراسية، مع توقع زيادة في العدد إلى أربعمائة طالب وطالبة.

والعمل في المؤسسة التعليمية هو عبارة عن تقديم دورات مختلفة في القرآن وعلومه، ولا يقتصر العمل على فترة محددة في السنة، بل هو تعليم مُستمر بفضل الله تعالى طوال السنة ولا ينقطع إلا في أوقات الإجازات الرسمية، فيدرس الطلبة في أيام الدراسة المدرسية فترة العصر والمغرب، وأما في أوقات الإجازات الرسمية صيفاً وشتاءً فيدرسون فترة الصباح.

ويضم المشروع كوادر مؤهلين بفضل الله تعالى وهم من أبناء هذا الوطن الغالي، فتمَّ تقسيمهم وفق الهيكل التنظيمي الآتي: الإداريون- الكادر التعليمي- الكادر الفني- الكادر التقني.

الإداريون ينصب دورهم في تسيير العملية التعليمية وتطويرها والإشراف على المشروع الوقفي ككل، والكادر التعليمي يضم نخبة من الأساتذة الذين تمَّ اختيارهم ليقوموا بمهمة التعليم والتحفيظ وغرس القيم والمبادئ في نفوس طلبة القرآن، والكادر الفني يقوم بمهمة الإصلاح والتعديل، وكادر تقني يعكس فكرة التعليم تقنياً وبرمجياً ويسهم هذا الكادر في تيسير مهمة الأستاذ وضبط تحصيل الطلبة في الجانب القرآني.

وبما أنَّ المشروع هو مشروع خيري ووقفي وقائم على التبرعات إلا أنَّه لا يمكن الاعتماد على مسار واحد لتحصيل المدخولات المالية، لذلك يسعى القائمون على المشروع إلى تطوير مدخولات المؤسسة القرآنية بما يُحقق استمرارية التعليم القرآني، ففكرة إنشاء المحلات والشقق تحقق دوراً مُهماً لصالح المشروع القرآني، ومع أهميتها إلا أنها لا تكفي لتلبية تطلعات المؤسسة من ضمان تحصيل المدخولات المالية لتغطية رواتب الكوادر العاملة ودفع فواتير الكهرباء والماء، فجاءت فكرة التخطيط للاستثمار في الأصول والعقارات بما يُحقق الاكتفاء قدر المستطاع.

وفي سنة 2014 تمَّ اعتماد مؤسسة دار الإتقان العالي، وتم تزكية المؤسسة الخيرية من قبل لجنة التنمية الاجتماعية بولاية الرستاق، وفي عام 2021 تمَّ إلحاق النشاط التعليمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وأعتقد جازماً أنَّ مؤسسة دار الاتقان العالي للقرآن الكريم بولاية الرستاق أول مؤسسة في السلطنة تعنى بتعليم القرآن الكريم وتنضوي تحت مظلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.