لماذا تعثرت واختفت بعض الصناعات العُمانية؟

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

مع كل يوم جديد نقرأ عن حدوث تطورات اقتصادية بالبلاد في مختلف القطاعات الاقتصادية. وها هو القطاع الصناعي يُعلن عن تدشين 50 فرصة صناعية استثمارية للراغبين المستثمرين من داخل البلاد وخارجها بالاستثمار في هذه المشاريع المعلن عنها لتنفيذها خلال الفترة المقبلة، حيث من المتوقع أن تُساهم هذه الفرص في جذب استثمارات تزيد عن 200 مليون ريال عُماني.

بالأمس رعى معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وبحضور الوكلاء، وبمشاركة مرئية للسفراء العُمانيين في مختلف دول العالم فعالية تدشين المشاريع الخمسين الصناعية ضمن المرحلة الأولى للخطة التي تنفذها الوزارة في القطاع الصناعي. وتهدف هذه الخطوة إلى إيجاد فرص العمل للعُمانيين، بجانب رفع تصنيف السلطنة في المؤشرات الدولية والقيمة المحلية المضافة، إضافة إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، والجوانب التنموية المتعلقة بالاستثمارات والمشاريع الاقتصادية في مختلف المحافظات العُمانية التي هي بحاجة إلى مثل هذه المشاريع التنموية، بجانب تعزيز صادرات المنتجات الصناعية العُمانية إلى مختلف دول العالم، وتنويع مصادر الدخل في القطاعات غير النفطية، وتحقيق كل أمر يتعلق بتعزيز مشاريع الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، الأمر الذي سوف يُحفّز العمل الاقتصادي من جهة، ويعطي مزيدًا من القدرة للعُمانيين للعمل في القطاع الخاص من جهة أخرى.

وهنا لا ينكر المرء الجهود التي بُذلت خلال العقود الخمسة الماضية لبناء وتأسيس القطاع الصناعي من خلال المناطق الصناعية التي أنشأتها الحكومة في مختلف أرجاء البلاد بدءًا من المنطقة الصناعية بالرسيل إلى تجهيز المنطقة الاقتصادية بالدقم والتي أصبحت منطقة استقطاب للكثير من الصناعات، بجانب ما قدمته الدولة من الحوافز المالية والدعم والامتيازات والإعفاءات المباشرة، وتوفير جوانب التمويل من قبل المؤسسات والبنوك التي دعمت تلك السياسات والاتجاهات. إلا أنه وللأسف الشديد تمكّن البعض من الاحتيال على هذا القطاع خلال تلك السنوات من خلال تأسيس مشاريع صناعية شبه وهمية صُرفت عليها آلاف بل ملايين الريالات، وذهبت هباءً بعد مضي فترة من الزمن، دون أن تكون هناك أية محاسبة للشخصيات والمسؤولين الذين ساهموا في تعثّر تلك الشركات وتعثرها وتوقّفها وتصفيتها. هذه القضايا تحتاج أيضًا إلى التطرق إليها وفتح ملفاتها لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تعثر تلك المؤسسات وفشلها، واختفاء بعض تلك الشركات، خاصة وأن بعض المشاريع التي تم إنشاؤها كانت على شكل شركات مساهمة عامة في القطاع الصناعي، الأمر الذي أدى إلى تحقيق خسائر للمساهمين وخاصة من صغار المستثمرين.

أما الأمر الآخر الذي نتحدث عنه يتعلق بوضع العُمانيين الذين عملوا في المؤسسات والمشاريع الصناعية، في تلك الفترة،  والأسباب التي أدت ببعضهم إلى الاستقالة وترك العمل في الشركات الصناعية. فمعظم تلك الأسباب تعزى إلى الوضع الإداري لتلك الشركات نتيجة؛ لسيطرة اللوبيات الأجنبية على جميع الإدارات؛ حيث إن معظم تلك المصانع وحتى اليوم عبارة عن مؤسسات صناعية تجميعية يأتي بها بعض الأجانب من خلال العمل بأسلوب التجارة المستترة ليتحكم في أعمال التصنيع والتوظيف والإنتاج والتصدير وغيرها؛ أي أنهم حريصون على إدارة الأمور الإدارية والفنية دون إعطاء الفرصة للعُمانيين في التعرف والتعلم من الأمور المهمة. وهذا ما حدا بوزارات العمل سابقا بإصدار قرارات بضرورة تعمين مهنة شؤون الموظفين، وإدارات الموارد البشرية في المصانع لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى عدم استقرار العمالة الوطنية ونفور العُمانيين من العمل في هذه المصانع سنوياً، في الوقت الذي لم تتمكن المصانع من تحقيق نسبة 30% من التعمين خلال الخمسين السنة الماضية.

اليوم يصل عدد العُمانيين العاملين في القطاع الصناعي في السلطنة إلى حوالي 32 ألف عامل؛ أي أنَّ متوسط عدد الذين دخلوا في هذا القطاع سنويًا خلال السنوات الخمسين الماضية يبلغ 640 عاملًا فقط، في الوقت الذي أُقيمت فيه آلاف المصانع في مختلف أرجاء السلطنة. فنسبة العمالة التي تعمل في القطاع الصناعي اليوم من (العُمانيين بالإضافة إلى الوافدين) تبلغ 10% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص العُماني لعام 2019 وفق بيانات وإحصاءات الوزارة المعنية. أما نسبة العُمانيين في القطاع الصناعي فتبلغ 14% من إجمالي العاملين في هذا القطاع، بينما هناك إمكانات أكبر لخلق مزيد من فرص العمل للعُمانيين في هذا القطاع الحيوي الطموح القادر على النمو بسرعة أكبر من بقية القطاعات الصناعية الأخرى.  

وبتدشين المشاريع الخمسين الصناعية، فالكل يتوقع أن تُمنح فرص العمل للعمانيين في هذا القطاع ومضاعفتها سنويًا، خاصة وأن هذا القطاع يُعد أحد الدعامات الأساسية للاقتصاد الوطني؛ حيث بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 نحو 10.5% وبقيمة 3.18 مليار ريال عُماني مقارنة مع 2.2 مليار ريال عُماني في عام 2009. كما شهدت الصادرات الصناعية هي الأخرى زيادة في قيمتها لتصل عام 2019 إلى 3.230 مليار ريال عُماني مقابل 1.8 مليار ريال عام 2009.

إن السلطنة ومع استخدامها لأساليب الرقابة والشفافية والحوكمة اليوم مع الشركات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص ستؤدي حتمًا إلى تغيير الأحوال في هذه المؤسسات، وسوف تمتلك قاعدة صناعية حديثة ومتطورة من كل القطاعات وخاصة قطاع التقنيات الصناعية القائمة على التكنولوجيا والمعرفة، الأمر الذي سيؤدي إلى توسيع قاعدة الصناعات التحويلية في البلاد والدخول إلى أسواق جديدة، بجانب الارتقاء بالمستوى التقني لها، مع إرساء ثقافة الابتكار الصناعي التي أصبحت اليوم تُمارس من خلال الفتية العُمانيين لتعزيز إنتاج هذا القطاع بصورة أكبر. وهذا بالتالي سينعكس على إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين ورفع كفاءتهم، الأمر الذي يتطلب تظافر الجهود في القطاعين الخاص والعام، وتسخير الجهود والموارد لتحقيق مزيد من المنافع من خلال تطوير وتحديث وتوسيع الرقعة الصناعية في البلاد.